نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 144 - 153 ] باب النوافل ( السنة ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر ، وبعدها ركعتان ، وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين ، وركعتان بعد المغرب ، وأربع قبل العشاء وأربع بعدها ، وإن شاء ركعتين ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة }وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب ، غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر ، فلهذا سماه في الأصل حسنا وخير لاختلاف الآثار ، والأفضل هو الأربع ولم يذكر الأربع قبل العشاء ، فلهذا كان مستحبا لعدم المواظبة ، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء . [ ص: 154 - 158 ] وفي غيره ذكر الأربع ، فلهذا خير ، إلا أن الأربع أفضل خصوصا عند أبي حنيفة على ما عرف من مذهبه ، والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا ، كذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه خلاف الشافعي .


باب النوافل

الحديث السابع بعد المائة :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة ، بنى الله له بيتا في الجنة } ، وفسرها المصنف ، وقال : إنها مفسرة في الحديث على نحو ما ذكر ، وهي : ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر ، وبعدها ركعتان ، وأربع قبل العصر ، وإن شاء ركعتين ، وركعتان بعد المغرب ، وأربع قبل العشاء ، وأربع بعدها . وإن شاء ركعتين ، ثم قال : غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر في الحديث ، فلهذا سماه في الأصل حسنا ، وخير لاختلاف الآثار ، والأفضل هو [ ص: 154 ] الأربع ، ولم يذكر الأربع قبل العشاء ، ولهذا كان مستحبا ; لعدم المواظبة ، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء ، وفي غيره ذكر الأربع ، فلهذا خير ، إلا أن الأربع أفضل ، خصوصا عند أبي حنيفة . قلت : روى الجماعة إلا البخاري من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم بثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة ، إلا بنى الله له بيتا في الجنة }. انتهى . لمسلم وأبي داود وابن ماجه وزاد الترمذي ، والنسائي : { أربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء . وركعتين قبل صلاة الغداة }. انتهى . وللنسائي في رواية : { وركعتين قبل العصر } ، بدل : { وركعتين بعد العشاء } ، وكذلك عند ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأول ، من القسم الأول ، رواه عن ابن خزيمة بسنده ، وكذلك رواه الحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجه انتهى .

وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين ، فقال فيه : { وركعتين قبل العصر ، وركعتين بعد العشاء } ، وكذلك عند الطبراني في " معجمه " { حديث آخر } : أخرجه الترمذي وابن ماجه عن المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ثابر على ثنتي عشرة ركعة ، من السنة ، بنى الله له بيتا في الجنة : أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر }انتهى .

قال الترمذي : حديث غريب من هذا الوجه ، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن محمد بن سليمان الأصبهاني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة ، بني له بيت في الجنة : ركعتين قبل الفجر وأربعا قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء }. انتهى .

وضعف محمد بن سليمان هذا ، وقال : إنه مضطرب الحديث . انتهى .

فصح قول المصنف : إنه لم يذكر في الحديث الأربع قبل العصر ، وقوله : [ ص: 155 ] وخير لاختلاف الآثار " يعني خير بين أن يصلي أربعا ، أو ركعتين " ; لأن الآثار اختلفت في ذلك ، فأخرج أبو داود والترمذي عن أبي المثنى عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا }. انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن غريب ورواه أحمد في " مسنده " . وابن خزيمة ، ثم ابن حبان في " صحيحيهما " ، قال ابن حبان : والمراد أنها بتسليمتين ; لما جاء في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }. انتهى كلامه .

وقد تقدم للنسائي وابن حبان والحاكم في حديث أم حبيبة : { وركعتين قبل العصر } ، .

وأخرج أبو داود عن عاصم بن ضمرة عن علي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين }انتهى .

ورواه الترمذي وأحمد ، وقالا : أربعا ، عوض : ركعتين ، وقال الترمذي : حديث حسن . واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر ، واحتج بهذا الحديث ، وقال " يعني قوله : { يفصل التسليم على الملائكة }: يعني التشهد انتهى كلامه . وهذا يرد قول ابن حبان ، إنها بتسليمتين ، وأعاده الترمذي في آخر الصلاة في باب تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار " ، وزاد فيها : يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ، والمرسلين ، ومن تبعهم من المؤمنين ، والمسلمين . انتهى .

وقال : حديث حسن وروي عن ابن المبارك أنه ضعف هذا الحديث ، وإنما ضعفه والله أعلم من أجل عاصم بن ضمرة وعاصم بن ضمرة ثقة عند بعض أهل الحديث ، قال علي بن المديني : قال يحيى بن سعيد القطان : قال سفيان : كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة عن حديث الحارث انتهى كلامه . وفي عاصم مقال ، وصح قوله أيضا : وذكر فيه ركعتين بعد العشاء ، وقوله : وفي غيره ذكر الأربع ، عزى إلى سنن سعيد بن منصور ، من حديث البراء بن عازب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من صلى قبل الظهر أربعا ، كان كأنما تهجد من ليلته ، ومن صلاهن بعد العشاء ، كان كمثلهن من ليلة القدر } ، ورواه البيهقي من قول عائشة ، قالت : من صلى أربعا بعد العشاء ، كان كمثلهن من ليلة القدر ، وأخرج النسائي والدارقطني من قول [ ص: 156 ] كعب .

وروى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أثر كل صلاة ركعتين ، إلا الفجر والعصر }انتهى . ورواه الدارقطني في " كتاب العلل " من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، فذكره . أحاديث النافلة قبل المغرب : لأصحابنا في تركها أحاديث : منها ما أخرجه أبو داود عن طاوس ، قال : سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب ، فقال : ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها ، ورخص في الركعتين بعد العصر . انتهى . سكت عنه أبو داود ، ثم المنذري في " مختصره " ، فهو صحيح عندهما ، قال النووي في " الخلاصة " : إسناده حسن ، قال : وأجاب العلماء عنه ، بأنه نفي ، فتقدم رواية المثبت ، ولكونها أصح ، وأكثر رواة ، ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن حيان بن عبيد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن عند كل أذانين ركعتين ، ما خلا المغرب }. انتهى . ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : لا نعلم رواه عن ابن بريدة ، إلا حيان بن عبيد الله ، وهو رجل مشهور من أهل البصرة ، لا بأس به . انتهى كلامه .

وقال البيهقي في " المعرفة " : أخطأ فيه حيان بن عبيد الله ، في الإسناد والمتن جميعا ، أما السند : فأخرجاه في " الصحيحين " عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبيد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { بين كل أذانين صلاة ، قال في الثالثة لمن شاء }. وأما المتن : فكيف يكون صحيحا ، وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث ، قال : وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين ، وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال [ ص: 157 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلوا قبل المغرب ركعتين ، وقال في الثالثة : لمن شاء ، خشية أن يتخذها الناس سنة } ، رواه البخاري في " صحيحه " . انتهى .

وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " ، ونقل عن الفلاس أنه قال : كان حيان هذا كذابا . انتهى .

{ حديث آخر } : رواه الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا يحيى بن صاعد ثنا محمد بن منصور المكي ثنا يحيى بن أبي الحجاج ثنا عيسى بن سنان عن رجاء بن حيوة عن { جابر ، قال : سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين قبل المغرب ؟ فقلن : لا ، غير أن أم سلمة ، قالت : صلاهما عندي مرة ، فسألته ما هذه الصلاة ؟ فقال : نسيت الركعتين قبل العصر ، فصليتهما الآن }. انتهى .

{ حديث آخر } : معضل : رواه محمد بن الحسن في " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد بن أبي سليمان أنه { سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب ، قال : فنهاه عنها ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ، لم يكونوا يصلونها }. انتهى .

أحاديث الخصوم : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بين كل أذانين صلاة ، قال في الثالثة : لمن شاء }انتهى .

وفي لفظ للبخاري : قال : { صلوا قبل المغرب ، ثم قال : صلوا قبل المغرب ، قال في الثالثة : لمن شاء ، كراهية أن يتخذها الناس سنة }. انتهى . ذكره في " كتاب الاعتصام " ، وفي لفظ أبي داود : قال : { صلوا قبل المغرب ركعتين } ، وزاد فيه ابن حبان في " صحيحه " : { وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين }.

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري ومسلم عن أنس ، قال : كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري ، فيركعون ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد ، فيحسب أن الصلاة قد صليت ، من كثرة من يصليهما انتهى .

وفي لفظ لمسلم عنه ، قال : { كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس ، قبل صلاة المغرب ، فقلت له : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 158 ] يصليهما ؟ قال : كان يرانا نصليهما ، فلم يأمرنا ، ولم ينهانا }. انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري عن مرثد بن عبد الله اليزني ، قال : { أتيت عقبة بن عامر ، فقلت : ألا أعجبك من أبي تميم ، ركع ركعتين قبل صلاة المغرب فقال عقبة : إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : فما يمنعك الآن ؟ قال : الشغل }. انتهى .

وروى البزار في " مسنده " حديث أنس وقال : لا نعلم هذه الرواية إلا عن أنس ، وقد رويت عنه من وجوه ، وعارضها حديث بريدة أنه عليه السلام ، قال : { بين كل أذانين صلاة ، إلا المغرب }. انتهى . والخصوم يجيبون : بأن رواية المثبت مقدمة على النافي ، مع أن رواية الإثبات أصح ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني والتسعين ، من القسم الأول ، عن سليم بن عامر عن عبد الله بن الزبير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من صلاة مفروضة ، إلا وبين يديها ركعتان }. انتهى .

الحديث الثامن بعد المائة : قال المصنف : والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة ، كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : أخرجه أبو داود في " سننه " والترمذي في " الشمائل " عن عبيدة عن إبراهيم عن سهم بن منجاب عن قرثع عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم ، يفتح لهن أبواب السماء }انتهى .

ورواه ابن ماجه في " سننه " بلفظه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس ، لا يفصل بينهن بتسليم ، وقال : أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس }انتهى .

وضعفه أبو داود ، وقال : عبيدة بن معتب الضبي ضعيف ، انتهى .

وأطلق المنذري عزوه إلى الترمذي في " مختصره " ، وكان عليه أن يقيده " بالشمائل " .

ورواه أحمد في " مسنده " : حدثنا أبو معاوية ثنا عبيدة به ، وفي لفظه : { قلت : يا رسول الله [ ص: 159 ] أفيهن تسليم فاصل ؟ قال : لا } ، وهذا هو لفظ الترمذي في " الشمائل " طريق آخر له : رواه محمد بن الحسن في " موطئه " حدثنا بكير بن عامر البجلي عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل صلاة الظهر أربعا إذا زالت الشمس ، فسأله أبو أيوب الأنصاري عن ذلك ، فقال : إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة ، فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير ، قلت : أفي كلهن قراءة ؟ قال : نعم . قلت : أتفصل بينهن بسلام ؟ فقال : لا }. انتهى . قال صاحب " التنقيح " : وروى ابن خزيمة هذا الحديث في " مختصر المختصر " وضعفه ، فقال : وعبيدة بن معتب ليس ممن يجوز الاحتجاج بخبره .

وحدثناه أبو موسى ثنا أبو أحمد ثنا شريك عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن علي بن الصلت عن أبي أيوب فذكره ، وليس فيه : لا يسلم بينهن انتهى .

وتكلم الدارقطني في " علله " ، وذكر الاختلاف فيه ، ثم قال : وقول أبي معاوية أشبه بالصواب . انتهى . وحديث أبي معاوية عند الترمذي وأحمد كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية