نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( وإن صلى أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا أعاد ركعتين ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما ، وعند أبي يوسف رحمه الله يقضي أربعا ، وهذه المسألة على ثمانية أوجه . والأصل فيها أن عند محمد رحمه الله أن ترك القراءة في الأوليين أو في إحداهما يوجب بطلان التحريم لأنها تعقد للأفعال ، وعند أبي يوسف رحمه الله ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريم ، وإنما يوجب فساد الأداء ; لأن القراءة ركن زائد ، ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها ؟ غير أنه لا صحة للأداء إلا بها ، وفساد الأداء لا يزيد على تركه فلا يبطل التحريمة ، وعند أبي حنيفة رحمه الله ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة ، وفي إحداهما لا يوجب ; لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة ، وفسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه ، فقضينا بالفساد في حق [ ص: 167 ] وجوب القضاء ، وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا . إذا ثبت هذا نقول : إذا لم يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما ، لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما ، فلم يصح الشروع في الشفع الثاني .

وبقيت عند أبي يوسف رحمه الله فصح الشروع في الشفع الثاني ، ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء الأربع عنده ( ولو قرأ في الأوليين لا غير فعليه قضاء الأخريين بالإجماع ) . لأن التحريمة لم تبطل ، فصح الشروع في الشفع الثاني ، ثم فساده بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول ( ولو قرأ في الأخريين لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع ) لأن عندهما لم يصح الشروع في الشفع الثاني ، وعند أبي يوسف رحمه الله إن صح فقد أداها ( ولو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين بالإجماع ، ولو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين بالإجماع ، ولو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين : على قول أبي يوسف رحمه الله عليه قضاء الأربع وكذا عند أبي حنيفة رحمه الله ) لأن التحريمة باقية ، وعند محمد رحمه الله عليه قضاء الأوليين لأن التحريمة قد ارتفعت عنده .

وقد أنكر أبو يوسف رحمه الله هذه الرواية عنه ، وقال : رويت لك عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يلزمه قضاء ركعتين ، ومحمد رحمه الله لم يرجع عن روايته عنه . ( ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما ، وعند محمد رحمه الله قضى ركعتين ، ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير قضى أربعا عند أبي يوسف رحمه الله وعندهما ركعتين ) قال ( وتفسير قوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 168 ] { لا يصلى بعد صلاة مثلها }) يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة ، فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها .


الحديث الخامس عشر بعد المائة ، قال عليه السلام : { لا يصلى بعد صلاة مثلها } ، [ ص: 168 ] قلت : غريب مرفوعا ، ووقفه ابن أبي شيبة في " مصنفه " على عمر بن الخطاب وابن مسعود ، فقال : حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : قال عمر : لا يصلى بعد صلاة ، مثلها . انتهى ، حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن إبراهيم ، والشعبي ، قال : قال عبد الله : لا يصلى على إثر صلاة مثلها . انتهى .

أحاديث الباب : أخرج أبو داود ، والنسائي عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار ، قال : { أتيت ابن عمر على البلاط ، وهم يصلون ، قلت : ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت ، إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين }. انتهى ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والسبعين ، من القسم الثاني ، ولفظه : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نعيد صلاة في يوم مرتين }.

قال ابن حبان : وعمرو بن شعيب في نفسه ثقة ، يحتج بخبره إذا روى عن غير أبيه ، فأما روايته عن أبيه عن جده ، فلا تخلو من انقطاع وإرسال ، فلذلك لم يحتج بشيء منها . انتهى . قيل : ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " قال النووي في " الخلاصة " إسناده صحيح ، قال : ومعناه كما قاله أصحابنا أي لا تجب الصلاة في اليوم مرتين ، وإنما لم يعدها ابن عمر ; لأنه كان صلاها في جماعة . انتهى كلامه .

قال البيهقي في " المعرفة " : قال مالك : ثنا نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر ، فقال : إني أصلي في بيتي ، ثم أدرك الصلاة مع الإمام ، أفأصلي معه ؟ فقال ابن عمر : نعم ، قال : فأيتهما أجعل صلاتي ؟ فقال ابن عمر : ليس ذلك إليك ، إنما ذلك إلى الله ، يجعل أيهما شاء انتهى . رواه في " الموطأ " ، قال : وهذا من ابن عمر دليل على أن الذي روى عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا صلاة مكتوبة في يوم مرتين ، إنما أراد به كلتاهما على وجه الفرض ، أو إذا صلى في جماعة ، فلا يعيدها أخرى } ، ثم أسند عن أبي المتوكل الناجي ثنا أبو سعيد الخدري ، قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، فدخل رجل ، فقام يصلي الظهر ، فقال : ألا رجل يتصدق على هذا ، فيصلي معه ؟ }" ، قال : وروينا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا في هذا الخبر ، فقام أبو بكر [ ص: 169 ] فصلى معه ، وقد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وروينا عن أبي موسى الأشعري وأنس بن مالك أنهما فعلا ، وكانا قد صليا بالجماعة ، قال البيهقي : ودعوى من ادعى نسخ هذه الأخبار باطلة ، لا يشهد بها له تاريخ ، ولا سبب ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار ، فهو أولى ، والله أعلم .

أحاديث إعادة الفريضة لأجل الجماعة : أخرج مسلم عن أبي ذر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كيف أنت ، إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ؟ قلت : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم ، فصل ، فإنها لك نافلة }. انتهى .

وفي لفظ : { يؤخرون الصلاة }. لم يقل : عن وقتها ، وفي لفظ : { ولا تقل : إني قد صليت ، فلا أصلي } ، وفي لفظ : { صلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة } ، وأخرج أيضا عن ابن مسعود عنه عليه السلام ، قال : { إنه سيكون عليكم أمراء ، يؤخرون الصلاة عن وقتها ، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك ، فصلوا الصلاة لميقاتها ، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة } ، مختصر ، من حديث التطبيق ، قال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " : لم يخرج البخاري في هذا الباب شيئا . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه ، قال : { شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، في مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه ، فقال : علي بهما ، فجيء بهما ترعد فرائصهما ، قال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالا : يا رسول الله ، إنا كنا صلينا في رحالنا ، قال : فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ، ثم أتيتما مسجد جماعة ، فصليا معهم ، فإنها لكما نافلة }. انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي رواية للدارقطني والبيهقي : { وليجعل التي صلاها في بيته نافلة } ، وقالا : إنها رواية ضعيفة شاذة ، مردودة ، لمخالفتها الثقات .

{ حديث آخر } : رواه أبو داود حدثنا قتيبة عن معن بن عيسى عن سعيد بن السائب [ ص: 170 ] عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر السوائي ، بمعناه ، وقال في آخره : { إذا جئت الصلاة ، فوجدت الناس ، فصل معهم ، وإن كنت صليت ، تكن لك نافلة ، وهذه مكتوبة }.

قال النووي في " الخلاصة " : إسناده ضعيف انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية