نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 187 ] باب قضاء الفوائت ( ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها ، وقدمها على فرض الوقت ) والأصل فيه أن الترتيب بين الفوائت وفرض الوقت عندنا مستحق ، وعند الشافعي رحمه الله مستحب ; لأن كل فرض أصل بنفسه ، فلا يكون شرطا لغيره ، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ، ثم ليعد التي صلى مع الإمام }( ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها ) ; لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت ، وكذا بالنسيان وكثرة الفوائت ، كي لا يؤدي إلى تفويت الوقتية ، ولو قدم الفائتة جاز ; لأن النهي عن تقديمها لمعنى في غيرها ، بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا يجوز ; لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث .


باب قضاء الفوائت

الحديث السادس والعشرون بعد المائة : قال عليه السلام : { من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام ، فليصل التي هو فيها ، ثم ليصل التي ذكرها ، ثم ليعد التي صلى مع الإمام } ، قلت : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام ، فليتم صلاته ، فإذا فرغ من صلاته ، فليعد التي نسي ، ثم ليعد التي صلاها مع الإمام }. انتهى . قال الدارقطني : رفعه أبو إبراهيم الترجماني ، ووهم في رفعه .

وزاد في " كتاب العلل " : والصحيح من قول ابن عمر هكذا ، رواه عبيد الله ومالك عن نافع عن ابن عمر انتهى .

وقال البيهقي : وقد أسنده غير أبي إبراهيم الترجماني عن سعيد بن عبد الرحمن ، فوقفه ، وهو الصحيح . انتهى .

[ ص: 188 ] أما حديث مالك : فهو في " الموطأ " عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال من نسي صلاة ، الحديث .

وأما حديث يحيى بن أيوب فهو في " سنن الدارقطني " عنه ثنا سعيد عن عبد الرحمن الجمحي موقوفا ، ورواه النسائي في " الكنى " عن الترجماني مرفوعا ، ثم قال : رفعه غير محفوظ ، وأخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سألت يحيى بن معين عن إبراهيم الترجماني ، فقال : لا بأس به انتهى .

وكذلك قال أبو داود وأحمد : ليس به بأس ، ونقل ابن أبي حاتم في " علله " عن أبي زرعة ، أنه قال : رفعه خطأ ، والصحيح وقفه .

وقال عبد الحق في " أحكامه " : رفعه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وقد وثقه النسائي وابن معين ، وذكر شيخنا الذهبي في " ميزانه " توثيقه عن جماعة ، ثم قال : وقال ابن حبان إنه خساف قصاب ، روى عن الثقات أشياء موضوعة ، وذكر من مناكيره هذا الحديث . انتهى .

وقال ابن عدي في " الكامل " : لا أعلم رفعه عن عبيد الله غير سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وقد وثقه ابن معين ، وأرجو أن أحاديثه مستقيمة ، لكنه يهم فيرفع موقوفا ، ويصل مرسلا ، لا عن تعمد . انتهى . فقد اضطرب كلامهم ، فمنهم من ينسب الوهم في رفعه لسعيد ، ومنهم من ينسبه للترجماني الراوي عن سعيد ، والله أعلم . قوله : فلو كان في الوقت سعة ، وقدم الوقتية لا يجوز ، لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث .

قلت : يشير إلى حديث أنس ، أخرجه الجماعة عنه مرفوعا : { من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها } ، زاد في " الصحيحين { لا كفارة لها إلا ذلك }. انتهى .

وفي لفظ لأبي داود : { فليصلها حين تذكرها } ، الحديث . أحاديث الباب : روى أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " من طريق [ ص: 189 ] ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن يزيد عن عبد الله بن عوف عن أبي جمعة حبيب بن سباع ، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب ، ونسي العصر ، فقال لأصحابه : هل رأيتموني صليت العصر ؟ قالوا : لا يا رسول الله ما صليتها . فأمر المؤذن ، فأذن ، ثم أقام ، فصلى العصر ، ونقض الأولى ، ثم صلى المغرب }. انتهى وأعله الشيخ تقي الدين في " الإمام " بابن لهيعة فقط .

وقال في " التنقيح " : ابن لهيعة لا يحتج به إذا انفرد ، ومحمد بن يزيد ، هو : ابن أبي زياد الفلسطيني صاحب حديث الصور ، روى عنه جماعة ، لكن أبو حاتم قال : هو مجهول ، وعبد الله بن عوف ، هو القاري ، روى عنه الزهري وغيره ، وكان زمن عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين . انتهى .

واستدل الشيخ في " الإمام " على وجوب الترتيب في الفائتة بحديث جابر { أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يوم الخندق ، جعل يسب كفار قريش ، وقال : يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ، فقال عليه السلام : فوالله إن صليتها ، فنزلنا إلى بطحان ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعدما غربت الشمس ، وصلينا بعدها المغرب } ، رواه البخاري ومسلم ، وبحديث صلاته عليه السلام يوم الخندق ، في وقت المغرب أربع صلوات ، وسيأتي في الحديث الآتي ، وليس بظاهر فيهما ، بل هما ظاهران في امتداد وقت المغرب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية