نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 220 ] ( وإذا ) ( فارق المسافر بيوت المصر ) ( صلى ركعتين ) ; لأن الإقامة تتعلق بدخولها فيتعلق السفر بالخروج عنها ، وفيه الأثر عن علي رضي الله عنه : لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا ( ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلد أو قرية خمسة عشر يوما أو أكثر ، وإن نوى أقل من ذلك قصر ) ; لأنه لا بد من اعتبار مدة ; لأن السفر يجامعه اللبث ، فقدرناها بمدة الطهر ; لأنهما مدتان موجبتان ، وهو مأثور عن ابن عمر وابن عباس ، رضي الله عنهم . والأثر في مثله كالخبر ، والتقييد بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في [ ص: 221 ] المفازة ، وهو الظاهر .


قوله : ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة ، في بلدة ، أو قرية خمسة عشر يوما ، أو أكثر وإن نوى أقل من ذلك قصر ، وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما ، والأثر في مثله كالخبر ، قلت : أخرجه الطحاوي عنهما ، قالا : إذا قدمت بلدة ، وأنت مسافر ، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوما ، أكمل الصلاة بها ، وإن كنت لا تدري متى تظعن ، فاقصرها انتهى .

وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا وكيع ثنا عمرو بن ذر عن مجاهد أن ابن عمر ، كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما ، أتم الصلاة انتهى .

وأخرجه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة ثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر ، قال : إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يوما ، فأتمم الصلاة ، وإن كنت لا تدري ، فاقصر الصلاة انتهى .

وقدرها الشافعي بأربعة أيام ، فإن نواها صار مقيما ، ويرده حديث { أنس ، قال : خرجنا مع النبي ، من المدينة إلى مكة ، وكان يصلي ركعتين ، [ ص: 221 ] حتى رجعنا إلى المدينة : قلت : كم أقمتم بمكة ؟ قال : أقمنا بها عشرا }انتهى .

أخرجه الأئمة الستة ، ولا يقال : يحتمل أنهم عزموا على السفر في اليوم الثاني أو الثالث ، واستمر بهم ذلك إلى عشر ; لأن الحديث إنما هو في حجة الوداع ، فتعين أنهم نووا الإقامة أكثر من أربعة أيام لأجل قضاء النسك ، نعم كان يستقيم هذا لو كان الحديث في قضية الفتح .

والحاصل أنهما حديثان : أحدهما : حديث ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يوما يقصر الصلاة ، }رواه البخاري ، وكان في الفتح صرح بذلك في بعض طرقه ، أقام بمكة عام الفتح . والآخر : حديث أنس المذكور ، وكان في حجة الوداع ، قال المنذري في " حواشيه " : حديث { أنس يخبر عن مدة مقامه عليه السلام بمكة شرفها الله تعالى في حجة الوداع ، فإنه دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة وهو يوم الأحد ، وبات بالمحصب ليلة الأربعاء ، وفي تلك الليلة أعمرت عائشة من التنعيم ، ثم طاف عليه السلام طواف الوداع ، سحرا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء ، وخرج صبيحته } ، وهو الرابع عشر .

وأما حديث ابن عباس وغيره ، فهو إخبار عن مدة مقامه عليه السلام بمكة زمن الفتح انتهى كلامه . وفي رواية لأبي داود والبيهقي عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يقصر الصلاة } ، قال النووي في " الخلاصة " : وإسنادها على شرط البخاري ، وفي رواية لهما مرسلة ضعيفة : خمسة عشر ، وفي رواية لهما عن عمران بن حصين : ثمانية عشر ، وهي أيضا ضعيفة ، قال البيهقي : يمكن الجمع : بأن من روى تسعة عشر ، عد يومي الدخول والخروج ، ومن روى سبعة عشر ، تركهما ، ومن روى ثمانية عشر ، عد أحدهما ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية