نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 235 ] ( ومنها الخطبة ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره ( وهي قبل الصلاة بعد الزوال ) به وردت السنة ( ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة ) به جرى التوارث . [ ص: 236 ] ( ويخطب قائما على طهارة ) لأن القيام فيهما متوارث ، ثم هي شرط الصلاة فيستحب فيها الطهارة كالأذان ( ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز ) لحصول المقصود ، إلا أنه يكره لمخالفته التوارث ، وللفصل بينهما وبين الصلاة ( فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة ) لأن الخطبة هي الواجبة ، والتسبيحة أو التحميدة لا تسمى خطبة . وقال الشافعي رحمه الله : لا تجوز حتى يخطب خطبتين ، اعتبارا للمتعارف ; وله قوله تعالى: { فاسعوا إلى ذكر الله }من غير فصل ، [ ص: 237 ] وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال : الحمد لله ، فارتج عليه ، فنزل وصلى .


الحديث الثالث : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة بدون الخطبة } ، قلت : ذكره البيهقي . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " على وجوب الخطبة بهذا ، مع قوله صلى الله عليه وسلم { : صلوا كما رأيتموني أصلي }. قوله : وهي قبل الصلاة ، ثم قال : به وردت السنة " يعني الخطبة " ، قلت : يؤخذ هذا من حديث السائب بن يزيد ، رواه البخاري عنه ، قال : { كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر يوم الجمعة حين يجلس الإمام ، فلما كان عثمان ، وكثر الناس أمر بالأذان الثاني ، على الزوراء }.

ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة ، فإذا كان الأذان حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة ، دل على أن الصلاة بعد الخطبة ، ويؤخذ أيضا من حديث أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، أخرجه مسلم عنه ، قال : { قال لي ابن عمر : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ساعة الجمعة ؟ قال : قلت : نعم ، سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة ، قال أبو بردة : يعني على المنبر }انتهى . قوله : ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة ، به جرى التوارث ، قلت : فيه أحاديث ، فأخرج البخاري . ومسلم عن ابن عمر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب [ ص: 236 ] خطبتين ، يقعد بينهما } ، وفي لفظ لهما : { كان يخطب قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم ، كما يفعلون الآن }. انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ، ثم يجلس ، ثم يقوم ، فيخطب قائما ، فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا ، فقد كذب ، وقد ، والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة }انتهى .

حديث آخر : أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين ، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ أذان المؤذن ، ثم يقوم ، فيخطب ، ثم يجلس ، فلا يتكلم ، ويقوم ، فيخطب } ، انتهى والعمري فيه مقال .

{ حديث آخر } مرسل : أخرجه أبو داود في " مراسيله " من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ، قال : بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدأ ، فيجلس على المنبر ، فإذا سكت المؤذن ، قام ، فخطب الخطبة الأولى ، ثم جلس شيئا يسيرا ، ثم قام ، فخطب الخطبة الثانية ، حتى إذا قضاها استغفر الله ، ثم نزل ، فصلى }.

قال ابن شهاب : { وكان إذا قام أخذ عصا ، فتوكأ عليها ، وهو قائم على المنبر } ، ثم كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان يفعلون ذلك . انتهى .

وفي هذا المرسل ، وفي الحديث قبله جلوسه عليه السلام على المنبر قبل الخطبة ، وليس ذلك في غيرهما ، وكل منهما يقوي الآخر . قوله : ويخطب قائما على الطهارة ، لأن القيام فيها متوارث ، قلت : تقدم في [ ص: 237 ] الأحاديث المذكورة ما فيه كفاية . قوله : عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : الحمد لله ، فارتج عليه ، فنزل ، وصلى ، قلت : غريب ، واشتهر في الكتب أنه قال على المنبر : الحمد لله ، فارتج عليه ، فقال : إن أبا بكر . وعمر كانا يعدان لهذا المكان مقالا ، فإنكم إلى إمام فعال ، أحوج منكم إلى إمام قوال ، وستأتي الخطبة بعد هذا ، والسلام ، وذكره الإمام القاسم بن ثابت السرقسطي في " كتاب غريب الحديث " من غير سند ، فقال : روي عن عثمان أنه صعد المنبر ، فارتج عليه ، فقال : الحمد لله ، إن أول كل مركب صعب ، وإن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا ، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل ، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها ، ويعلم الله ، إن شاء الله ، قال : يقال ارتج على فلان ، إذا أراد قولا ، فلم يصل إلى إتمامه . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية