نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 255 - 256 ] ( ويصلي الإمام بالناس ركعتين ، يكبر في الأولى للافتتاح وثلاثا بعدها ) ، ( ثم يقرأ الفاتحة وسورة ، ويكبر تكبيرة يركع بها ، ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة ، ثم يكبر ثلاثا بعدها ، ويكبر رابعة يركع بها ) وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه ، وهو قولنا . [ ص: 257 - 258 ] وقال ابن عباس رضي الله عنه : يكبر في الأولى للافتتاح وخمسا بعدها ، وفي الثانية : يكبر خمسا ثم يقرأ ، وفي رواية : يكبر أربعا ، وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس رحمه الله لأمر بينه الخلفاء .

أما المذهب فالقول الأول ; لأن التكبير ورفع الأيدي خلاف المعهود ، فكان الأخذ بالأقل أولى ، ثم التكبيرات من أعلام الدين حتى يجهر به ، فكان الأصل فيه الجمع ، وفي الركعة الأولى يجب إلحاقها بتكبيرة الافتتاح لقوتها من حيث الفرضية والسبق ، وفي الثانية لم يوجد إلا تكبيرة الركوع فوجب الضم إليها ، والشافعي أخذ بقول ابن عباس رضي الله عنه ، إلا أنه حمل المروي كله على الزوائد فصارت التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة .


قوله : ويصلي الإمام بالناس ركعتين ، يكبر في الأولى للافتتاح ، وثلاثا بعدها ، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ، ويكبر تكبيرة يركع بها ، ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة ، ثم يكبر ثلاثا بعدها ، ويكبر رابعة ، يركع بها ، وهذا قول ابن مسعود ، وهو قولنا ، قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة ، والأسود أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين ، تسعا تسعا : أربع قبل القراءة ، ثم يكبر ، فيركع . وفي الثانية يقرأ ، فإذا فرغ ، كبر أربعا ، ثم ركع ، أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن علقمة ، والأسود ، قال : كان ابن مسعود جالسا ، وعنده حذيفة . وأبو موسى الأشعري ، فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في صلاة العيد ، فقال حذيفة : سل الأشعري ، فقال الأشعري : سل عبد الله ، فإنه أقدمنا ، وأعلمنا ، فسأله ، فقال ابن مسعود : يكبر أربعا ، ثم يقرأ ، ثم يكبر ، فيركع ، فيقوم في الثانية ، فيقرأ ، ثم يكبر أربعا بعد القراءة . انتهى .

طريق آخر : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا هشيم ثنا مجالد عن الشعبي عن مسروق ، قال : كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التكبير في العيدين ، تسع تكبيرات : خمس في الأولى وأربع في الآخرة ، ويوالي بين القراءتين وأن يخطب بعد الصلاة على راحلته . انتهى .

وينظر الطبراني ، فإنه رواه من طرق أخرى ، قال الترمذي في [ ص: 257 ] كتابه " : وروي عن ابن مسعود أنه قال ، في التكبير في العيدين : تسع تكبيرات : في الأولى خمسا قبل القراءة وفي الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر أربعا ، مع تكبيرة الركوع ، وقد روي عن غير واحد من الصحابة نحو هذا . انتهى . أحاديث الباب المرفوعة : أخرج أبو داود في " سننه " عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول ، قال : أخبرني أبو عائشة ، جليس لأبي هريرة ، { أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان ، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر ؟ فقال أبو موسى : كان يكبر أربعا ، تكبيره على الجنائز ، فقال حذيفة : صدق ، فقال أبو موسى : كذلك كنت أكبر في البصرة ، حيث كنت عليهم }. انتهى .

سكت عنه أبو داود ، ثم المنذري في " مختصره " ، ورواه أحمد في " مسنده " ، واستدل به ابن الجوزي في " التحقيق " لأصحابنا ، ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان ، قال : قال ابن معين : هو ضعيف ، وقال أحمد : لم يكن بالقوي ، وأحاديثه مناكير ، قال : وليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكبير العيدين حديث صحيح . انتهى .

قال في " التنقيح " : عبد الرحمن بن ثوبان وثقه غير واحد ، وقال ابن معين : ليس به بأس ، ولكن أبو عائشة ، قال ابن حزم فيه : مجهول ، وقال ابن القطان : لا أعرف . انتهى .

الأحاديث الموقوفة : قال ابن أبي شيبة في " مصنفه " : حدثنا يحيى بن سعيد عن أشعث عن محمد بن سيرين عن أنس أنه كان يكبر في العيد تسعا ، فذكر مثل حديث ابن مسعود . انتهى .

{ حديث آخر } : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، أخبرنا إسماعيل بن أبي الوليد ثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث ، قال : شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد [ ص: 258 ] بالبصرة تسع تكبيرات ، ووالى بين القراءتين ، قال : وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضا ، فسألت خالدا كيف كان فعل ابن عباس ، ففسر لنا كما صنع ابن مسعود في حديث معمر . والثوري عن أبي إسحاق سواء . انتهى .

قوله : وقال ابن عباس : يكبر في الأولى للافتتاح ، وخمسا بعدها وفي الثانية يكبر خمسا ، ثم يقرأ ، وفي رواية يكبر أربعا في الثانية ، وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس لأمر بينه الخلفاء ، قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس كبر في عيد ثلاث عشرة : سبعا في الأولى وستا في الآخرة ، بتكبيرة الركوع ، كلهن قبل القراءة . انتهى .

أخبرنا ابن إدريس ثنا ابن جريج به نحوه ، حدثنا هشيم عن حجاج وعبد الملك عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يكبر في العيد ثلاث عشرة تكبيرة انتهى .

حدثنا يزيد بن هارون ثنا حميد عن عمار بن أبي عمار أن ابن عباس كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة : سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة . انتهى .

وكأن رواية يزيد بن هارون هذه ، هي الرواية الثانية ، عن ابن عباس ، لأنه كبر في الأولى سبعا ، بتكبيرة الركوع . وكبر في الثانية خمسا بتكبيرة الركوع ، فالجملة اثنا عشر تكبيرة ، والله سبحانه أعلم ، وقد ورد عن ابن عباس ما يخالف هذا ، ويوافق مذهبنا ، فروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا هشيم ثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث ، قال : صلى ابن عباس يوم عيد ، فكبر تسع تكبيرات : خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة ووالى بين القراءتين . انتهى .

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، وزاد فيه : وفعل [ ص: 259 ] المغيرة بن شعبة مثل ذلك ، وقد تقدم قريبا .

أحاديث الخصوم المرفوعة : أخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ، قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين ، في الأولى بسبع تكبيرات وفي الثانية بخمس ، قبل القراءة ، سوى تكبيرتي الركوع }. انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : تفرد به ابن لهيعة ، وقد استشهد به مسلم في موضعين ، قال : وفي الباب عن عائشة وابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو ، والطرق إليهم فاسدة . انتهى كلامه .

وذكر الدارقطني في " علله " أن فيه اضطرابا ، فقيل : عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الزهري ، وقيل : عنه عن عقيل عن الزهري ، وقيل : عنه عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة ، وقيل : عنه عن الأعرج عن أبي هريرة ، قال : والاضطراب فيه من ابن لهيعة . انتهى كلامه . وقال الترمذي في " علله الكبرى " : سألت محمدا عن هذا الحديث ، فضعفه ، وقال : لا أعلم رواه غير ابن لهيعة انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { التكبير في الفطر ، سبع في الأولى . وخمس في الثانية ، والقراءة بعدهما كلتيهما }. انتهى . زاد الدارقطني فيه : { وخمس في الثانية ، سوى تكبيرة الصلاة ، }انتهى .

قال ابن القطان في " كتابه " : والطائفي هذا ضعفه جماعة : منهم ابن معين انتهى . قال النووي في " الخلاصة " : قال الترمذي في " العلل " : سألت البخاري عنه ، فقال : هو صحيح . انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عمرو بن عوف المزني ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين ، في [ ص: 260 ] الأولى سبعا ، قبل القراءة ، وفي الآخرة خمسا ، قبل القراءة }. انتهى . قال الترمذي : حديث حسن ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب . انتهى .

وقال في " علله الكبرى " : سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال : ليس شيء في هذا الباب أصح منه ، وبه أقول ، وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي أيضا صحيح والطائفي مقارب الحديث . انتهى .

قال ابن القطان في " كتابه " هذا ليس بصريح في التصحيح ، فقوله : هو أصح شيء في الباب " يعني أشبه ما في الباب " وأقل ضعفا ، وقوله : وبه أقول ، يحتمل أن يكون من كلام الترمذي ، أي ، وأنا أقول : إن هذا الحديث أشبه ما في الباب .

وكذا قوله : وحديث الطائفي أيضا صحيح ، يحتمل أن يكون من كلام الترمذي ، وقد عهد منه تصحيح حديث عمرو بن شعيب ، فظهر من ذلك أن قول البخاري : أصح شيء ، ليس معناه صحيحا ، قال : ونحن ، وإن خرجنا عن ظاهر اللفظ ، ولكن أوجبه ، أن كثير بن عبد الله عندهم متروك ، قال أحمد بن حنبل : كثير بن عبد الله لا يساوي شيئا ، وضرب على حديثه في المسند ، ولم يحدث به .

وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث .

وقال أبو زرعة : واه الحديث ، وقال الشافعي : هو ركن من أركان الكذب ، وقال ابن حبان : روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة ، لا يحل ذكرها في الكتب ، إلا على سبيل التعجب . والطائفي ضعفه ناس : منهم ابن معين انتهى . قال ابن دحية في " العلم المشهور " : وكم حسن الترمذي في " كتابه " من أحاديث موضوعة ، وأسانيد واهية : منها هذا الحديث ، فإن الحسن عندهم ما نزل عن درجة الصحيح ، ولا يرد عليه ، إلا من كلامه ، قال في " علله " التي في آخر كتابه " الجامع " : والحديث الحسن عندنا ما روي من غير وجه ، ولم يكن شاذا ، ولا في إسناده من يتهم بالكذب . وقد قال أحمد بن حنبل : ليس في تكبير العيدين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح ، وإنما أخذ مالك فيها بفعل أبي هريرة . انتهى كلامه .

{ حديث آخر } : رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد ، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده { أن [ ص: 261 ] النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين ، في الأولى سبعا ، قبل القراءة وفي الآخرة خمسا ، قبل القراءة }. انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الله بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين ، في الأولى سبع تكبيرات ، وفي الآخرة خمسا }. انتهى . وعبد الله بن محمد بن عمار ، قال فيه ابن معين : ليس بشيء .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { التكبير في العيدين ، في الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات }. انتهى .

قال الترمذي في " علله الكبرى " : سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال : الفرج بن فضالة ذاهب الحديث ، والصحيح ما رواه مالك وغيره من الحفاظ عن نافع عن أبي هريرة فعله . انتهى .

وحديث أبي هريرة هذا الذي أشار إليه البخاري ، رواه مالك في " الموطأ " عن نافع ، مولى ابن عمر ، قال : شهدت الأضحى والفطر ، مع أبي هريرة ، فكبر في الأولى سبع تكبيرات ، قبل القراءة ، وفي الآخرة خمسا ، قبل القراءة ، قال مالك : وهو الأمر عندنا . انتهى .

{ حديث آخر } : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : { قال علي : يكبر في الأضحى والفطر والاستسقاء ، سبعا في الأولى وخمسا في الأخرى ، ويصلي قبل الخطبة ، ويجهر بالقراءة ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك }. انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية