نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 269 ] باب صلاة الكسوف قال : ( إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة في كل ركعة ركوع واحد ) وقال الشافعي : ركوعان ، له ما روت عائشة رضي الله عنها [ ص: 270 - 271 ] ولنا رواية ابن عمر رضي الله عنه ، والحال أكشف على الرجال لقربهم ، فكان الترجيح لروايته ( ويطول القراءة فيهما ، ويخفي عند أبي حنيفة ، وقالا : يجهر ) وعن محمد مثل قول أبي حنيفة . أما التطويل في القراءة فبيان الأفضل ، ويخفف إن شاء . [ ص: 272 - 276 ] لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء ، فإذا خفف أحدهما طول الآخر .

وأما الإخفاء والجهر فلهما رواية عائشة أنه صلى الله عليه وسلم جهر فيها . [ ص: 277 ] ولأبي حنيفة رواية ابن عباس . [ ص: 278 ] وسمرة بن جندب رضي الله عنهم ، والترجيح قد مر من قبل ، كيف وأنها صلاة النهار وهي عجماء .


باب صلاة الكسوف

الحديث الأول : حديث عائشة : في كل ركعة ركوعان ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عروة عن عائشة ، قالت : { خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فقام ، فكبر ، وصف الناس وراءه ، فاقترأ قراءة طويلة ، ثم كبر ، فركع ركوعا طويلا ، ثم رفع رأسه ، فقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، ثم قام ، فاقترأ قراءة طويلة ، هي أدنى من القراءة الأولى ، ثم كبر ، فركع ركوعا طويلا ، هو أدنى من الأول ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد . ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ، فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ، ثم قام فخطب الناس ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم [ ص: 270 ] قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة }. انتهى .

أحاديث الباب { حديث آخر } : أخرجه البخاري ومسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، فذكر نحو حديث عائشة . وأخرجا نحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولفظ مسلم فيه : عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : { لما انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي : الصلاة جامعة ، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ، ثم قام ، فركع ركعتين في سجدة ، ثم جلى عن الشمس ، فقالت عائشة : ما ركعت ركوعا ، ولا سجدت سجودا كان أطول منه قط }انتهى .

وكذلك لفظ البخاري ، وانفرد مسلم بحديث جابر ، أخرجه عن أبي الزبير عنه ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر ، فصلى بأصحابه ، فأطال القيام ، حتى جعلوا يخرون ، ثم ركع ، فأطال ، ثم رفع ، فأطال ، ثم ركع ، فأطال ، ثم رفع ، فأطال ، ثم سجد سجدتين ، ثم قام فصنع نحوا من ذلك ، فكانت أربع ركعات ، وأربع سجدات } ، مختصر ، وانفرد البخاري بحديث أسماء ، مبينا فيه { الصلاة أربع ركعات ، وأربع سجدات } ، ورواه مسلم ، يبين فيه الصلاة .

وأما حديث : " الثلاث ركعات في كل ركعة " ، فأخرجه مسلم عن عطاء عن جابر ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ست ركعات ، بأربع سجدات } ، وأخرجه أيضا عن عائشة . نحوه ، وأخرجه مسلم عن طاوس عن ابن عباس ، { أنه عليه السلام صلى في الكسوف . فقرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم سجد ، قال : والأخرى مثلها }. انتهى .

وفي لفظ : { صلى ثمان ركعات في أربع سجدات }. وعن علي مثل ذلك . انتهى . لم يذكر لفظ حديث علي ، ولكنه أحال على ما قبله .

وأما حديث : " الخمس ركعات في كل ركعة " ، فأخرجه أبو داود في " سننه " عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب { أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 271 ] صلى بهم في كسوف الشمس ، فقرأ سورة من الطوال ، وركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، وفعل في الثانية مثل ذلك ، ثم جلس يدعو حتى تجلى كسوفها } ، وأبو جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان ، فيه مقال ، قال النووي في " الخلاصة " : لم يضعفه أبو داود ، وهو حديث في إسناده ضعف . انتهى كلامه .

الحديث الثاني : حديث ابن عمر " في كل ركعة ركوع " ، قلت : لم أجده من رواية ابن عمر ، وإنما وجدناه عن ابن عمرو بن العاص ، ولعله تصحف على المصنف ، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في " الشمائل " عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع ، ثم ركع ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك }. زاد النسائي : { من القيام والركوع والسجود والجلوس } ، وساق الحديث ، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح ، ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب انتهى .

وكان ينبغي للمنذري حين قال : أخرجه الترمذي أن يقيده " بالشمائل " ، بل أطلق ، وليس بجيد ، قال المنذري : وقد أخرج البخاري لعطاء حديثا مقرونا بأبي بشر .

وقال أيوب : هو ثقة ، وقال ابن معين : لا يحتج بحديثه ، وفرق الإمام أحمد وغيره بين من سمع منه قديما وحديثا . انتهى .

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : كل من روى عن عطاء بن السائب ، روى عنه في الاختلاط ، إلا شعبة وسفيان انتهى . قلت : وأصحاب السنن أخرجوه عن حماد عن عطاء . خلا النسائي ، فإنه أخرجه في رواية عن شعبة عن عطاء به ، وليس متنه بصريح في [ ص: 272 ] الركعتين ، ولفظه : قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ، فأطال القيام ، ثم ركع ، فأطال الركوع ، ثم رفع ، فأطال ، قال سمعته ، وأحسبه قال في السجود نحو ذلك } ، وساق الحديث .

أحاديث الباب : أخرج أبو داود والنسائي عن ثعلبة بن عباد عن { سمرة بن جندب ، قال : بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ، حتى إذا كانت الشمس ، قيد رمحين ، أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق ، اسودت ، حتى آضت كأنها تنومة ، فقال أحدنا لصاحبه : انطلق بنا إلى المسجد ، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثا ، قال : فدفعنا ، فإذا هو بارز ، فاستقدم ، فصلى بنا ، فقام ، كأطول ما قام بنا في صلاة قط ، لا نسمع له صوتا ، قال : ثم ركع ، كأطول ما ركع بنا في صلاة قط ، لا نسمع له صوتا ، ثم سجد بنا ، كأطول ما سجد بنا في صلاة قط ، لا نسمع له صوتا ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ، قال : فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية ، ثم سلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، وشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه عبده ورسوله }. انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه النسائي عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا خسفت الشمس والقمر ، فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة }انتهى .

ورواه أحمد في " مسنده " . والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرطهما ، وينظر لفظهما ، وتكلموا في سماع أبي قلابة من النعمان ، قال ابن أبي حاتم في " علله " : قال أبي : قال يحيى بن معين : أبو قلابة عن النعمان بن بشير مرسل ، قال أبي : قد أدرك أبو قلابة النعمان بن بشير ، ولا أعلم أسمع منه ، أو لا .

وقد رواه عفان عن عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل عن النعمان . وقال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث قد اختلف في إسناده ، فروي عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير ، [ ص: 273 ] وروي عنه عن قبيصة بن المخارق الهلالي ، وروي عنه عن هلال بن عامر عن قبيصة بن المخارق انتهى .

قال النووي في " الخلاصة " : ورواه أبو داود بلفظ { : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ، ويسأل عنها ، حتى انجلت } ، قال : وإسناده صحيح ، إلا أنه بزيادة رجل بين أبي قلابة والنعمان ثم اختلف في ذلك الرجل . انتهى كلامه .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري في " صحيحه " عن الحسن عن أبي بكرة قال : { خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه ، حتى انتهى إلى المسجد ، وثاب الناس إليه فصلى بهم ركعتين ، فانجلت الشمس ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وأنهما لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، ولكن يخوف الله بهما عباده ، فإذا كان ذلك ، فصلوا حتى ينكشف ما بكم }. انتهى .

ورواه النسائي ، وقال فيه { : فصلى بهم ركعتين ، كما تصلون } ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، وقال فيه { : فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم }.

قال ابن حبان : مثل صلاتكم في الكسوف ، ووهم النووي في " الخلاصة " ، فعزا هذا الحديث " للصحيحين " ، وإنما انفرد به البخاري .

{ حديث آخر } : أخرجه مسلم عن { عبد الرحمن بن سمرة ، قال : كنت أرمي بأسهم لي بالمدينة ، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس ، فنبذتها ، وقلت : والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس ، قال : فانتهيت إليه ، وهو رافع يديه ، فجعل يسبح ، ويحمد ويهلل ويكبر ، ويدعو حتى حسر عنها ، فلما حسر عنها ، قرأ سورتين ، وصلى ركعتين ، وفي لفظ : قال : فأتيته ، وهو قائم في الصلاة رافع يديه ، فجعل يسبح ، ويحمد ، ويهلل } ، إلى آخره ، وظاهر هذين الحديثين ، أن الركعتين بركوع واحد ، وقد تكلفوا للجواب عنهما ، فقال النووي : قوله : وصلى ركعتين " يعني في كل ركعة قيامان وركوعان " . انتهى .

وقال القرطبي : يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة ، وسكت عن الأخرى ، وفي هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره ، وهو لا يجوز إلا بدليل ، وأيضا فلفظ النسائي : كما تصلون وابن حبان : مثل صلاتكم ، يرد [ ص: 274 ] ذلك ، وتأوله المازري ، على أنها كانت صلاة تطوع لا كسوف . فإنه إنما صلى بعد الانجلاء ، وابتداؤها بعد الانجلاء لا يجوز ، وضعفه النووي بمخالفته للرواية الأخرى ، قال : بل يحمل قوله : فانتهيت إليه ، وهو رافع يديه ، على أنه وجده في الصلاة ، كما في الرواية الأخرى فأتيته ، وهو قائم في الصلاة ، وكانت السورتان بعد الانجلاء وهذا لا بد منه ، جمعا بين الروايتين انتهى .

وذكر القرطبي ما ذكره المازري أيضا ، ثم قال : لكن ورد في أبي داود عن النعمان بن بشير ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ، ويسأل عنها حتى تجلت الشمس } ، قال : وهو معتمد قوي للكوفيين ، غير أن أحاديث الركعتين في كل ركعة أصح ، وأشهر ويحمل هذا على أنه بين الجواز ، وذلك هو السنة . انتهى .

وقد غفل القرطبي عن حديث أبي بكرة ، عند البخاري ، كما تقدم ، وفيه : { فصلى بهم ركعتين } ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا ، يجر ثوبه ، وأنا معه يومئذ بالمدينة ، فصلى ركعتين ، فأطال فيهما القيام ، ثم انصرف ، وقد انجلت ، فقال : إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده ، فإذا رأيتموها فصلوا ، كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة }. انتهى .

ثم رواه : حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا ريحان بن سعيد ثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر ، أن قبيصة الهلالي حدثه أن الشمس كسفت ، بمعنى حديث موسى ، ولم يسق المتن ، ورواه الحاكم في " المستدرك " بالسند الأول ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، قال : والذي عندي أنهما عللاه بحديث يرويه ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة ، قال : وهذا لا يعلل حديثا رواه موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة انتهى كلامه .

ورواه النسائي في " سننه " بسند آخر ، فقال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب ثنا عمرو بن عاصم أن جده عبيد الله بن الوازع حدثه حديث أيوب السختياني عن أبي قلابة عن قبيصة بن مخارق الهلالي ، قال : { كسفت الشمس ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة } ، [ ص: 275 ] فذكره بلفظ أبي داود سواء ، قال البيهقي : بعد أن رواه بالسند الأول ، سقط بين أبي قلابة وقبيصة رجل ، وهو : هلال بن عامر ، قال النووي في " الخلاصة " : وهذا لا يقدح في صحة الحديث فإن هلالا ثقة . انتهى . قال البيهقي : وسياق هذا الحديث ، وسائر الأحاديث الواردة بركعتين يدل على أن المراد الإخبار عن صلاته عليه الصلاة والسلام يوم الكسوف ، يوم مات إبراهيم ، وقد أثبت جماعة من حفاظ الصحابة عدد ركوعه في كل ركعة ، فهو أولى بالقبول . انتهى .

وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : كل ما ورد أنه صلى ركعتين ، فهو محمول على أنه كان في كل ركعة ركوعان ، وقوله : مثل صلاتنا ، أو مثل صلاتكم ، ظن من الراوي . انتهى .

أحاديث خسوف القمر : تقدم في " الصحيحين " من قوله عليه الصلاة والسلام : " { إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا } ، وفي لفظ : { فافزعوا إلى الصلاة } ، أخرجاه من حديث عائشة ، ومن حديث ابن عمر ، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، وأخرجاه أيضا من حديث أبي مسعود الأنصاري ، والحاكم من حديث النعمان بن بشير : { فأيهما انخسف فصلوا حتى ينجلي } ، وللبيهقي من حديث أبي بكرة { : فإذا خسف واحد منهما ، فصلوا }.

وقد ورد { أنه عليه الصلاة والسلام صلى في خسوف القمر } ، كما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ثابت بن محمد الزاهد ثنا سفيان بن سعيد عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس . والقمر ثمان ركعات في أربع سجدات }. انتهى .

وإسناده جيد ، سكت عنه عبد الحق في " أحكامه " ثم ابن القطان بعده ، وقال : إن ثابت بن محمد الزاهد صدوق .

[ ص: 276 ] { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات ، وأربع سجدات } ، قال ابن القطان : فيه سعيد بن حفص ولا أعرف . انتهى .

قوله : لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء ، قلت : أخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف }انتهى . وللبخاري عن أبي بكرة مرفوعا نحوه وقد تقدم ، ولمسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر نحوه ، وله أيضا من حديث عائشة ، { فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى تنجلي ، }وفي لفظ له : { صلوا حتى يفرج عنكم } ، وله أيضا من حديث جابر بن عبد الله قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابنه ، فقال الناس : إنما انكسفت لموت إبراهيم ، فقال : يا أيها الناس ، إنما الشمس والقمر آية من آيات الله ، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي } ، مختصر ، وأخرج أبو داود عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، إلى أن قال : ثم جلس كما هو ، مستقبل القبلة يدعو حتى تجلى كسوفها } ، مختصر ، وأبو جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان ، اختلف قولهم فيه .

الحديث الثالث : روت عائشة رضي الله عنها{ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في ركعتي الكسوف بالقراءة } ، قلت : أخرجه البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة ، قالت : { جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته ، فإذا فرغ من قراءته كبر فركع ، وإذا رفع من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع [ ص: 277 ] ركعات ، في ركعتين وأربع سجدات }انتهى . لم يقل فيه مسلم { : ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف } ، وللبخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر ، قالت : { جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف } ، ورواه أبو داود ولفظه : { إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة ، فجهر بها يعني في صلاة الكسوف }. انتهى .

ورواه الترمذي ، ولفظه : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ، فجهر فيها بالقراءة }انتهى .

وحسنه ، وصححه ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والثلاثين ، من القسم الخامس ، ولفظه : قالت : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين ، وأربع سجدات وجهر بالقراءة }انتهى .

وفي هذه الألفاظ ما يدفع قول من يفسر لفظ " الصحيحين " بخسوف القمر ، كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا الحديث .

الحديث الرابع : روى ابن عباس وسمرة الإخفاء بالقراءة في صلاة الكسوف . قلت : أما حديث ابن عباس ، فرواه أحمد في " مسنده " ، وكذلك أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا حسن عن موسى الأشيب أنبأ ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن { ابن عباس ، قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف ، فلم أسمع منه فيها حرفا من القراءة }. انتهى .

ورواه أبو نعيم في " الحلية في ترجمة عكرمة " من طريق الواقدي ثنا عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب به ، ورواه الطبراني في " معجمه " ثنا علي بن المبارك ثنا زيد بن المبارك ثنا موسى بن عبد العزيز ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن { ابن عباس ، قال : صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس ، فلم أسمع له قراءة } ، انتهى .

ورواه البيهقي في " المعرفة " من طريق ابن لهيعة ، كما رواه أحمد ، ومن طريق الحكم بن أبان ، كما رواه الطبراني ، ومن طريق الواقدي ، كما رواه أبو نعيم ، ثم قال : وهؤلاء ، وإن كانوا لا يحتج بهم ، ولكنهم عدد ، وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن ابن عباس ، { أنه عليه السلام قرأ نحوا من سورة البقرة } ، هكذا أخرجاه في " الصحيحين " قال الشافعي : فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ ، إذ لو سمعه لم يقدره بغيره ، ويدفع حمله على البعد ، رواية الحكم بن أبان : { صليت إلى جنبه } ، ويوافق أيضا رواية محمد بن إسحاق بإسناده عن عائشة ، قالت : { فحزرت قراءته } ، ويوافق أيضا حديث [ ص: 278 ] سمرة بن جندب ، وإنما الجهر عن الزهري فقط ، وهو وإن كان حافظا ، فيشبه أن يكون العدد أولى بالحفظ ، من الواحد . انتهى كلامه .

{ حديث آخر } إلا أنه غير صريح ، وهو الذي ، أشار إليه البيهقي : أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس ، قال : { انخسفت الشمس ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه ، فقام قياما طويلا ، نحوا من سورة البقرة ، ثم ركع } ، وساق الحديث ، وقد تقدم ، قال الشافعي : فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ ، إذ لو سمعه لم يقدره بغيره ، هكذا نقله البيهقي عنه ، وقال القرطبي في " شرح مسلم " : هذا دليل لمن قال : يخفي القراءة ; لأنه لو جهر لعلم ما قرأ ، وقال المنذري في " حواشيه " : هذا الحديث يدل على الإسرار ، وقياسه على قول عائشة في حديث آخر ، فحزرت قراءته ، قال : فقيل : فعله لبيان الجواز ، وقيل يقدم المثبت على النافي ، وقيل : يحتمل أن يكون جهر في خسوف القمر ، وفيه نظر ; لأن حديث عائشة قد جاء فيه ما يدل على أنه في كسوف الشمس ، ولم يحفظ أنه عليه السلام جمع في خسوف القمر ، إنما هو شيء روي عن ابن عباس . انتهى كلامه .

وقال ابن تيمية في " المنتقى " : يحمل حديث الإخفاء على أنه لم يسمعه لبعده ; لما ورد في رواية مبسوطة : أتينا ، والمسجد قد امتلأ انتهى .

واعلم أن الحديث غير صريح في الإخفاء ، وإن كان العلماء كلهم يحملوه عليه ، ولكن قد ينسى الإنسان الشيء المقروء بعينيه ، وهو مع ذلك ذاكر لقدره ، فيقول : قرأ فلان نحو سورة البقرة ، وهو قد سمع ما قرأ ، ثم نسيه ، والله أعلم . وأما حديث سمرة : فأخرجه أصحاب الأربعة عن الأسود بن قيس ، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ، قال : { قال سمرة بن جندب : بينما أنا ، وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ، حتى إذا كانت الشمس } ، وقد تقدم بتمامه في " أول الباب " ، واللفظ لأبي داود ، واختصره الباقون . ولفظهم : قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف ، لا يسمع له صوت }. انتهى .

ولفظ النسائي : { في كسوف الشمس } ، وقال الترمذي : حديث [ ص: 279 ] حسن صحيح . انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والثلاثين ، من القسم الخامس مطولا . بلفظ أبي داود ، ورواه الحاكم في " المستدرك " مطولا . ومختصرا ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولم يخرجاه . انتهى .

قال ابن حبان : وكان سمرة في أخريات الناس ، فلذلك لم يسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى . وقد تقدم إبطال هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية