نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 281 - 283 ] باب الاستسقاء ( قال أبو حنيفة رحمه الله : ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة ، فإن صلى الناس وحدانا جاز ، وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار ) لقوله تعالى{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا }الآية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى ولم ترو عنه الصلاة . [ ص: 284 ]

( وقالا : يصلي الإمام ركعتين ) لما روي " { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه ركعتين كصلاة العيد }رواه ابن عباس رضي الله عنه . قلنا : فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة ، وقد ذكر في الأصل قول محمد وحده ( ويجهر فيهما بالقراءة ) اعتبارا بصلاة العيد .


باب الاستسقاء الحديث الأول : روي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استسقى ، ولم يرو عنه الصلاة }. قلت : أما استسقاءه عليه السلام ، فصحيح ثابت ، وأما إنه لم يرو عنه الصلاة ، فهذا غير صحيح ، بل صح أنه صلى فيه ، كما سيأتي ، وليس في الحديث أنه استسقى ، ولم يصل ، بل غاية ما يوجد ذكر الاستسقاء دون ذكر الصلاة ، ولا يلزم من عدم ذكر الشيء عدم وقوعه ، فهذا كما رد على الشافعي في إيجابه العمرة ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخثعمية أن تقضي الحج عن أبيها ، ولم يأمرها بقضاء العمرة عنه ، فأجاب البيهقي رحمه الله ، بأن الحديث قد يكون فيه ذكر العمرة ، ولكن حفظ الراوي بعضه ونسي بعضه ، أو حفظه كله ، ولكن أدى البعض ، وترك البعض ، يقع ذلك بحسب السؤال والحاجة ، والله أعلم .

فمما ذكر فيه الاستسقاء دون الصلاة ، ما أخرجه البخاري ومسلم عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس { أن رجلا دخل المسجد في يوم جمعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يغثنا ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، قال أنس : فلا والله ما نرى في السماء ، من سحاب ، ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ، ثم أمطرت فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى ، قال : ثم جاء رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ، [ ص: 284 ] ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فاستقبله قائما فقال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يمسكها عنا ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ، قال : فانقلعت ، وخرجنا نمشي في الشمس }.

قال شريك : فسألت أنس بن مالك ، أهو الرجل الأول ؟ قال : لا أدري . انتهى .

وفي لفظ للبخاري ، { فقام إليه ذلك الرجل أو غيره } ، وفي لفظ : { ثم جاء الرجل ، فقال : يا رسول الله بشق المسافر ، ومنع الطريق ، }وفي لفظ : { ثم جاء ، فقال : تهدمت البيوت } ، وفي هذين اللفظين ، أن القائل رجل واحد ، وفيما تقدم شك وتردد ، ومما ورد فيه ذكر الصلاة مع الاستسقاء ، ما أخرجه الأئمة الستة عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي ، فصلى بهم ركعتين ، وحول رداءه ، ورفع يديه ، فدعى واستسقى ، واستقبل القبلة }انتهى .

زاد البخاري : فيه { جهر فيهما بالقراءة } ، وليس هذا عند مسلم .

الحديث الثاني : روى ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الاستسقاء ركعتين ، كصلاة العيد } ، قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة ، قال : أرسلني الوليد بن عقبة وكان أمير المدينة إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتذلا متواضعا متضرعا ، حتى أتى المصلى ، فلم يخطب خطبتكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين ، كما كان يصلي في العيد }. انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه . قال المنذري في " مختصره " : رواية إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن ابن عباس وأبي هريرة مرسلة . انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " [ ص: 285 ] في النوع الرابع ، من القسم الخامس ، من حديث هشام بن عبد الله بن كنانة عن أبيه ، قال : أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن صلاة الاستسقاء ، الحديث ، وهكذا في لفظ للنسائي وهشام هو : ابن إسحاق بن عبد الله بن كنانة ، فنسبه بجده ، وترك اسم أبيه ، فإن الباقين ، قالوا : عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه ، قال : أرسلني ، الحديث .

{ حديث آخر } : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . إلى المصلى ، فاستسقى ، واستقبل القبلة ، وقلب } ، وفي لفظ لهما : { وحول رداءه ، وصلى ركعتين }. انتهى .

قال البخاري في " صحيحه " : كان ابن عيينة ، يقول : عبد الله بن زيد هذا ابن عبد ربه صاحب الأذان وهو وهم منه ، بل هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، والأول كوفي انتهى .

وزاد البخاري في " صحيحه " في هذا الحديث : { جهر فيهما بالقراءة }. واعلم أن المصنف رحمه الله ، لو اقتصر على قوله : صلى في الاستسقاء ركعتين لكان أولى ; لأن الشافعي رحمه الله احتج بقوله : كصلاة العيد على أنه يكبر فيها تكبير التشريق ، على أنه قد جاء مصرحا به في حديث أخرجه الحاكم في " المستدرك " . والدارقطني ، ثم البيهقي في " السنن " عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن { طلحة ، قال : أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء ، فقال : سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه ، فجعل يمينه على يساره ، ويساره على يمينه ، وصلى ركعتين ، كبر في الأولى سبع تكبيرات ، وقرأ بسبح اسم ربك الأعلى ، وقرأ في الثانية { هل أتاك حديث الغاشية } ، وكبر فيها خمس تكبيرات }. انتهى .

قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، والجواب عنه من وجهين : أحدهما : ضعف الحديث ، فإن محمد بن عبد العزيز [ ص: 286 ] هذا ، قال فيه البخاري : منكر الحديث .

وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، ليس له حديث مستقيم ، وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : روى عن الثقات المعضلات ، وينفرد بالطامات عن الأثبات ، حتى سقط الاحتجاج به انتهى .

وقال ابن القطان في " كتابه " : هو أحد ثلاثة إخوة كلهم ضعفاء : محمد وعبد الله وعمران ، بنو عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبوهم عبد العزيز مجهول الحال ، فاعتل الحديث بهما ، انتهى كلامه .

الثاني : أنه معارض بحديث رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا مسعدة بن سعد العطار ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن فليح حدثني عبد الله بن حسين بن عطاء عن داود بن بكر بن أبي الفرات عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى ، فخطب قبل الصلاة ، واستقبل القبلة ، وحول رداءه ، ثم نزل ، فصلى ركعتين ، لم يكبر فيهما إلا تكبيرة }. انتهى . { حديث آخر } : وروى فيه أيضا ، حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة ثنا أبي عن عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن عمه عن كثير بن العباس ، { أن عبد الله بن عباس كان يحدث عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف ، قال : لم يزد على ركعتين مثل صلاة الصبح }. انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية