نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 285 - 286 ] ( ثم يخطب ) لما روي " { أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب }ثم هي كخطبة العيد عند محمد ، وعند أبي يوسف خطبة واحدة ( ولا خطبة ) ( عند أبي حنيفة رحمه الله ) لأنها تبع للجماعة ولا جماعة عنده .


الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام خطب في الاستسقاء } ، قلت : ما أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي ، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ، ولا إقامة ، ثم خطبنا ، ودعا الله ، وحول وجهه نحو القبلة ، رافعا يديه ، ثم قلب رداءه ، فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن }. انتهى .

ورواه البيهقي في " سننه " ، وقال : تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري انتهى .

قال البخاري : هو صدوق ، لكن في [ ص: 287 ] حديثه وهم كبير انتهى .

{ حديث آخر } : روى أحمد في " مسنده " من طريق مالك عن عبد الله بن بكر عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم استقبل القبلة ، فدعى ، فلما أراد أن يدعو أقبل بوجهه إلى القبلة ، وحول رداءه }. انتهى .

وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن أبي بكر به ، بلفظ { : فخطب الناس ، ثم استقبل القبلة } ، إلى آخره .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " سننه " عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : { شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فأمر بمنبر ، فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر ، فكبر ، وحمد الله عز وجل ، ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين }لا إله إلا الله ، يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ، ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوتا ، وبلاغا إلى حين ، ثم رفع يديه ، فلم يزل في الرفع ، حتى بدا بياض إبطيه . ثم حول إلى الناس ظهره ، وقلب وحول رداءه ، وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ، ونزل ، فصلى ركعتين . فأنشأ الله سحابة ، فرعدت وبرقت ، ثم أمطرت بإذن الله . فلم يأت عليه الصلاة والسلام مسجده حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم ، إلى الكن ، ضحك حتى بدت نواجذه ، فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير ، وأني عبد الله ، ورسوله }. انتهى .

قال أبو داود : حديث غريب ، وإسناده جيد . انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني عشر ، من القسم الخامس والحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . انتهى ، وهذا كلام مشتمل على الحمد والثناء ، [ ص: 288 ] والموعظة والدعاء ، سيما ، وقد قاله على المنبر ، وفي حديث أبي داود : { أنه بدأ بالخطبة قبل الصلاة } ، وفي الحديثين الماضيين العكس ، ولعلهما واقعتان ، والله أعلم ، وبمذهب الصاحبين أخذ الشافعي ، أن الخطبة تسن في الاستسقاء ، وقال أحمد : لا تسن ، واحتجوا له بحديث إسحاق بن كنانة المتقدم ، وفيه : { فلم يخطب خطبتكم هذه } ، وبه قال الإمام ، قلنا : مفهومه أنه خطب ، لكنه لم يخطب خطبتين ، كما يفعل في الجمعة ، ولكنه خطب خطبة واحدة ، فلذلك نفى النوع ، ولم ينف الجنس ، ولم يرو أنه خطب خطبتين ، فلذلك قال أبو يوسف : يخطب خطبة واحدة ، ومحمد يقول : يخطب خطبتين ، ولم أجد له شاهدا ، والله أعلم .

وهذه الأحاديث تدفع تأويل الخطبة ، بأنها كانت خطبة الجمعة ، وكان الاستسقاء في ضمنها إجابة للسائل ، كما تقدم للبخاري ، ومسلم عن أنس : { دخل رجل المسجد يوم الجمعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب } ، الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية