نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 291 - 292 ] قال : ( وإن كان الإمام مقيما ) ( صلى بالطائفة الأولى ركعتين ، وبالطائفة الثانية ركعتين ) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم { صلى الظهر بالطائفتين ركعتين ركعتين }( ويصلي بالطائفة الأولى من المغرب ركعتين ، وبالثانية ركعة واحدة ) لأن تنصيف الركعة الواحدة غير ممكن ، فجعلها في الأولى أولى بحكم السبق .


الحديث الثاني : روي { أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بطائفتين ، ركعتين ركعتين ، قلت : أخرجه مسلم عن أبي سلمة عن جابر ، قال : أقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع ، قال : كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فجاء رجل من المشركين ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة ، فأخذه ، فاخترطه ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتخافني ؟ قال : لا ، قال : فمن يمنعك مني ؟ قال : الله يمنعني منك ، قال : فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف ، وعلقه ، قال : ثم نودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، قال : فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان }. انتهى .

ولم يصل البخاري سنده به ، فقال في " كتاب المغازي في غزوة ذات الرقاع " : وقال أبان : حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر ، فذكره ، ووهم شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره ، فقال : أخرجاه .

وقد نص على ذلك الحميدي وعبد الحق في " كتابيهما الجمع بين الصحيحين " مع أن البخاري وصل سنده به في مواضع ، لكن ليس فيه قصة الصلاة ، والله أعلم . قال ، شيخنا علاء الدين ، عقيب ذكره حديث جابر هذا : وللنسائي في رواية ، كأنها كانت صلاة الظهر ، وقال من قلده الشيخ : ولأبي داود والنسائي أن الصلاة [ ص: 293 ] كانت صلاة الظهر ، وهذا كله وهم ، أما النسائي فإنه لم يذكر هذه الرواية أصلا ، لا في حديث جابر ، ولا في حديث أبي بكرة ، وأما أبو داود ، فإنه لم يذكرها إلا في حديث أبي بكرة والله أعلم .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن عن أبي بكرة ، قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر ، فصف بعضهم خلفه ، وبعضهم بإزاء العدو ، فصلى ركعتين ، ثم سلم ، وانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه ، فصلى بهم ركعتين ، ثم سلم ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ، ولأصحابه ركعتين ، انتهى .

وهذا هو حديث الكتاب ، فإنه فيه ذكر الظهر واعلم أن هذا الحديث صريح في أنه عليه الصلاة والسلام سلم من الركعتين ، وحديث جابر ليس صريحا ، فلذلك حمله بعضهم على حديث أبي بكرة ، ومنهم النووي ، ومنهم من لم يحمله عليه ، ومنهم القرطبي ، وقال المنذري في " مختصره " : قال بعضهم : كان النبي عليه السلام في غير حكم سفر ، وهم مسافرون ، وقال بعضهم : هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لفضيلة الصلاة خلفه ، وقيل : فيه دليل على جواز اقتداء المفترض بالمتنقل ، ويعترض عليه بأنه لم يسلم من الفرض ، كما في حديث جابر ، وقيل : إنه عليه السلام كان مخيرا بين القصر والإتمام في السفر فاختار الإتمام ، واختار لمن خلفه القصر ، وقال بعضهم : كان في حضر ، ببطن نخلة ، على باب المدينة ، وكان خوف ، فخرج منه محترسا . انتهى قلت : قد يتقوى هذا بحديث أخرجه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي ، أخبرنا الثقة ابن علية ، أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ، ببطن نخلة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم سلم ، ثم جاءت طائفة أخرى ، فصلى بهم ركعتين ، ثم سلم انتهى ، وأخرج الدارقطني عن عنبسة عن الحسن عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محاصرا لبني محارب ، فنودي بالصلاة } ، فذكر نحوه ، والأول أصح ، إلا أن فيه شائبة الانقطاع ، فإن شيخ الشافعي مجهول ، وأما الثاني : ففيه عنبسة بن سعيد القطان الواسطي ، ضعفه غير واحد ، وقال غيره : لم يحفظ عن النبي عليه السلام أنه صلى صلاة خوف قط في حضر ، ولم يكن له حرب قط في حضر إلا يوم الخندق ، ولم يكن آية الخوف نزلت بعد ، والله أعلم .

ولما ذكر الطحاوي [ ص: 294 ] حديث أبي بكرة المذكور ، قال : يحتمل أن يكون ذلك كان في وقت كانت الفريضة تصلى مرتين ، فإن ذلك كان يفعل أول الإسلام ، حتى نهي عنه ، ثم ذكر حديث ابن عمر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى فريضة في يوم مرتين }.

قال : والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة ، والله أعلم .

فائدة : ذكر بعض الفقهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في عشرة مواضع ، والذي استقر عند أهل السير والمغازي ، أربعة مواضع : ذات الرقاع وبطن نخل وعسفان وذي قرد ، فحديث ذات الرقاع أخرجه البخاري ومسلم عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة ، وفي لفظ للبخاري : عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف ، أن طائفة صفت معه الحديث .

وحديث بطن نخلة أخرجه النسائي عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل ، والعدو بيننا ، وبين القبلة ، الحديث ، وحديث عسفان أخرجه أبو داود والنسائي عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي زيد بن الصامت ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ، وعلى المشركين خالد بن الوليد ، الحديث .

ورواه البيهقي في " المعرفة " بلفظ : حدثنا أبو عياش ، قال وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبي عياش ، وحديث ذي قرد أخرجه النسائي عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد ، الحديث .

وروى الواقدي في " المغازي " حدثني ربيعة بن عثمان عن وهيب بن كيسان عن جابر بن عبد الله ، قال : قال : أول ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ، في غزوة ذات الرقاع ، ثم صلاها بعد بعسفان بينهما أربع سنين ، قال الواقدي : وهذا عندنا أثبت من غيره انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية