نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 378 - 382 ] كتاب الزكاة ( الزكاة واجبة على الحر ، العاقل ، البالغ ، المسلم ، إذا ملك نصابا ملكا تاما ، وحال عليه الحول ) . أما الوجوب فلقوله تعالى { وآتوا الزكاة }ولقوله صلى الله عليه وسلم { أدوا زكاة أموالكم }وعليه إجماع الأمة . والمراد بالواجب الفرض ; لأنه لا شبهة فيه . واشتراط الحرية لأن كمال الملك بها ، والعقل والبلوغ لما نذكره ، [ ص: 383 ] والإسلام لأن الزكاة عبادة ، ولا تتحقق العبادة من الكافر . ولا بد من ملك مقدار النصاب ، لأنه صلى الله عليه وسلم قدر السبب به ، ولا بد من [ ص: 384 ] الحول لأنه لا بد من مدة يتحقق فيها النماء ، وقدرها الشرع بالحول . لقوله صلى الله عليه وسلم { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول }ولأنه المتمكن به من الاستنماء ; لاشتماله على الفصول المختلفة ، والغالب تفاوت الأسعار فيها ، فأدير الحكم عليه . ثم قيل : هي واجبة على الفور ; لأنه مقتضى مطلق الأمر ، وقيل : على التراخي ; لأن جميع العمر وقت الأداء ، ولهذا لا تضمن بهلاك النصاب بعد التفريط .


[ ص: 382 ] كتاب الزكاة

الحديث الأول : قال النبي عليه السلام : { أدوا زكاة أموالكم } ، قلت : روي من حديث أبي أمامة ، ومن حديث أبي الدرداء .

فحديث أبي أمامة ، أخرجه الترمذي في آخر " أبواب الصلاة " عن سليم بن عامر ، قال : سمعت أبا أمامة ، يقول : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع ، فقال : اتقوا الله وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلون جنة ربكم ، قال : قلت لأبي أمامة : منذ كم سمعت هذا الحديث ؟ قال : سمعته ، وأنا ابن ثلاثين سنة }.

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك في الإيمان ، وغيره " ، قال : حديث صحيح على شرط مسلم ، ولا يعرف له علة ، ولم يخرجاه ، وقد احتج مسلم بأحاديث لسليم بن عامر ، وسائر رواته متفق عليهم . انتهى .

[ ص: 383 ] وأما حديث أبي الدرداء : فرواه الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا أحمد بن مسعود المقدسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا صدقة بن عبد الله عن الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد عن أبي الدرداء أن النبي عليه السلام ، قال : { أخلصوا عبادة ربكم ، وصلوا خمسكم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وصوموا شهركم ، وحجوا بيت ربكم ، تدخلوا جنة ربكم } ، وفيه قصة .

أحاديث الباب : فيه حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه النبي عليه السلام إلى اليمن ، وفيه : { فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم } ، الحديث ، أخرجاه عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس .

وحديث ضمام بن ثعلبة وفيه : قال : { أنشدك بالله ، الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال عليه السلام : اللهم نعم } ، أخرجه البخاري عن شريك بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه وحديث جبرائيل عليه الصلاة والسلام أخرجاه عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : { أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجل ، فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، قال : فما الإسلام ؟ قال : أن تعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، قال : فما الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه }الحديث .

{ وحديث الأعرابي ، وفيه : قال ، وذكر له عليه السلام الزكاة ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : لا ، إلا أن تطوع } ، الحديث ، أخرجاه من رواية مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة ، وحديث : { بني الإسلام على خمس } ، وفيه أحاديث مانع الزكاة ، سيأتي آخر الكتاب .

الحديث الثاني : قال المصنف رحمه الله : ولا بد من ملك النصاب ، لأنه عليه الصلاة والسلام قدر السبب به ، قلت : من شواهد ذلك حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال [ ص: 384 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة }. انتهى .

الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } ، [ ص: 385 ] قلت : روي من حديث علي ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث أنس ، ومن حديث عائشة رضي الله عنهم . أما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه أبو داود في " سننه " من طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم ، وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور عن علي عن النبي عليه السلام ، قال : { إذا كانت لك مائتا درهم ، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا ، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ، ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحسابها ذلك ، قال : فلا أدري أعلي يقول : فبحساب ذلك ، أو رفعه إلى النبي عليه السلام ، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول }. انتهى .

قال : ورواه شعبة ، وسفيان ، وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ، ولم يرفعوه . انتهى . وفيه عاصم ، والحارث فعاصم وثقه ابن المديني ، وابن معين ، والنسائي وتكلم فيه ابن حبان ، وابن عدي ، فالحديث حسن . قال النووي رحمه الله في " الخلاصة " : وهو حديث صحيح ، أو حسن . انتهى .

ولا يقدح فيه ضعف الحارث لمتابعة عاصم له ، وقال عبد الحق في " أحكامه " ، هذا حديث رواه وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم ، والحارث عن علي ، فقرن أبو إسحاق فيه بين عاصم ، والحارث ، والحارث كذاب وكثير من الشيوخ ، يجوز عليه مثل هذا ، وهو أن الحارث أسنده ، وعاصم لم يسنده ، فجمعهما جرير ، وأدخل حديث أحدهما في الآخر ، وكل [ ص: 386 ] ثقة رواه موقوفا ، فلو أن جريرا أسنده عن عاصم ، وبين ذلك أخذنا به ، وقال غيره : هذا لا يلزم ; لأن جريرا ثقة ، وقد أسند عنهما . انتهى .

وهو في " مسند أحمد " عن عاصم بن ضمرة عن علي مرفوعا : { ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول } انتهى .

وليس من رواية أحمد . وأما حديث ابن عمر فله طرق : أحدها : عند الدارقطني عن بقية عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : { ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول }انتهى . وإسماعيل بن عياش ضعيف وفي روايته عن غير الشاميين ، قال الدارقطني : ورواه معتمر . وغيره عن عبيد الله موقوفا ، ثم أخرجه كذلك ، ورواه البيهقي من حديث ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وقال : هو الصحيح ، ورواه بقية عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله ، فرفعه ، وليس بصحيح . انتهى .

طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " كتاب غرائب مالك " عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، نحوه ، قال الدارقطني : الصواب موقوف ، انتهى .

قلت : رواه يحيى بن يحيى ، ويحيى بن بكير ، وأبو مصعب عن مالك في " الموطأ " بالسند المذكور موقوفا عن مالك رضي الله عنه ، ورواه الشافعي رضي الله عنه في " مسنده " موقوفا كذلك . طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا ، باللفظ المذكور ، ورواه الترمذي في " كتابه " بلفظ : { من [ ص: 387 ] استفاد مالا ، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول }. انتهى ثم رواه موقوفا ، وقال : هذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم انتهى .

وقال الدارقطني في " علله " : حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه . الحول }يرويه عبيد الله بن عمر ، واختلف عليه فيه ، فرواه إسماعيل بن عياش عنه عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، ورواه سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله مرفوعا ، والصحيح عن عبيد الله موقوفا ، كذا قاله عنه معمر ، وابن نمير ، ومحمد بن بشر ، وشجاع بن الوليد ، وغيرهم . ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وكذلك يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وقد رواه إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر فرفعه ، ولم يرفعه عن مالك غيره ، والصحيح عن مالك موقوف . انتهى .

وأما حديث أنس رضي الله عنه ، فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حسان بن سياه عن ثابت عن أنس مرفوعا ، ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بحسان بن سياه ، وقال : لا أعلم يرويه عن ثابت غيره . انتهى . وحسان بن سياه ، قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : هو منكر الحديث جدا ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ; لما ظهر من خطئه على ما عرف من صلاحه انتهى وأما حديث عائشة رضي الله عنها ، فأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول }انتهى . وحارثة هذا ضعيف ، قال ابن حبان رحمه الله في " كتاب الضعفاء " : كان ممن كثر وهمه ، وفحش خطؤه ، تركه أحمد ، ويحيى . انتهى .

أحاديث المال المستفاد : تعلق الخصم ، وهو : الشافعي ، وأحمد ، ومالك ، في [ ص: 388 ] أحد قوليه ، بما أخرجه الترمذي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من استفاد مالا ، فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول } ، انتهى .

قال الترمذي رحمه الله : ورواه أيوب وعبيد الله بن عمر ، وغير واحد عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث ، ضعفه أحمد ، وابن المديني ، وغيرهما ، وهو كثير الغلط ، ثم أخرجه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، قال : وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم انتهى .

قال النووي رحمه الله في " الخلاصة " : ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي ، وأعله بعبد الرحمن ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث ابن أبي ليلى عن نافع به موقوفا ، ورواه الدارقطني في " سننه " من حديث عبيد الله عن نافع به موقوفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية