نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
فصل في الخيل ( إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها بالخيار : إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا ، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وهو قول زفر رحمه الله ، وقالا : [ ص: 420 ] لا زكاة في الخيل ; لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس على المسلم في عبده [ ص: 421 ] ولا في فرسه صدقة }. وله قوله عليه الصلاة والسلام { في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم } [ ص: 422 ] وتأويل ما روياه فرس الغازي ، وهو المنقول عن زيد بن ثابت رضي الله عنه . والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر رضي الله عنه . ( وليس في ذكورها منفردة زكاة ) لأنها لا تتناسل ( وكذا في الإناث [ ص: 423 ] المنفردات في رواية ) وعنه الوجوب فيها ; لأنها تتناسل بالفحل المستعار ، بخلاف الذكور ، وعنه أنها تجب في الذكور المنفردة أيضا .


فصل في الخيل

الحديث الرابع عشر : قال عليه السلام : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة } ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عراك بن مالك عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة }. انتهى بألفاظهم الستة . ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، وزاد فيه : إلا صدقة الفطر ، قال ابن حبان : فيه دليل على أن العبد لا يملك ، إذ لو ملك لوجب عليه صدقة الفطر ، وهذه الزيادة عند مسلم أيضا ، ولفظه : { ليس في العبد صدقة ، إلا صدقة الفطر }. انتهى .

ورواه الدارقطني بلفظ : { لا صدقة على الرجل في فرسه ولا في عبده ، إلا زكاة الفطر } ، ولهذه الألفاظ فوائد ستأتي في صدقة الفطر . [ ص: 420 ]

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة }. انتهى .

قال أبو داود : روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق ، كما رواه أبو عوانة ، ورواه أبو معاوية ، وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي عليه السلام ، قال الترمذي : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق ، يحتمل أن يكون روى عنهما .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أحمد بن الحارث البصري ثنا الصقر بن حبيب ، قال : سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب أن النبي عليه السلام ، قال : { ليس في العوامل صدقة ، ولا في الجبهة صدقة }.

قال الصقر : الجبهة : الخيل ، والبغال ، والعبيد .

وقال أبو عبيد : الجبهة : الخيل انتهى . والصقر ضعيف ، قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : ليس هو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يعرف بإسناد منقطع ، فقلبه الصقر على أبي رجاء ، وهو يأتي بالمقلوبات . انتهى .

وأحمد بن الحارث الراوي عن الصقر هو الغساني ، قال أبو حاتم الرازي : هو متروك الحديث انتهى .

{ حديث آخر } روى سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه إلى أهل اليمن : وأنه ليس في عبد مسلم ، ولا في فرسه شيء } ، وقد تقدم في كتاب عمرو بن حزم .

{ حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن بقية حدثني أبو معاذ عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة ، والنخعة } ، قال بقية . الجبهة : الخيل ، والكسعة : البغال ، والحمير ، والنخعة : المربيات في البيوت ، انتهى .

قال البيهقي : وأبو معاذ سليمان بن أرقم ، وهو متروك الحديث لا يحتج به ، مع أنه قد اختلف عليه فيه ، فقيل : عنه هكذا ، وقيل : عنه عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا نحوه ، ثم أخرجه كذلك [ ص: 421 ] عن عبيد الله بن يزيد عن سليمان بن أرقم به ، ورواه كثير بن زياد أبو سهل عن الحسن عن النبي عليه السلام مرسلا ، أخرجه أبو داود في المراسيل . قوله : وتأويله : فرس الغازي ، هو المنقول عن زيد بن ثابت ، قلت : غريب ، وذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب " الأسرار " ، فقال : إن زيد بن ثابت لما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : صدق ، رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد فرس الغازي ، قال : ومثل هذا لا يعرف بالرأي ، فثبت أنه مرفوع . انتهى .

وروى أبو أحمد بن زنجويه في كتاب " الأموال " حدثنا علي بن الحسن ثنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : سألت ابن عباس عن الخيل أفيها صدقة ؟ فقال : ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة . انتهى

الحديث الخامس عشر : قال عليه السلام : { في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم } ، قلت : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " عن الليث بن حماد الإصطخري حدثنا أبو يوسف عن غورك بن الخضرم أبي عبد الله عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { في الخيل السائمة في كل فرس دينار }انتهى ، قال الدارقطني : تفرد به غورك ، وهو ضعيف جدا ، ومن دونه ضعفاء . انتهى .

وقال البيهقي : ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالفه . انتهى ، وقال ابن القطان في " كتابه " : وأبو يوسف هذا هو أبو يوسف يعقوب القاضي ، وهو مجهول عندهم . انتهى .

وفيه شيء ، فقد وثقه ابن حبان ، وغيره . واستدل لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بحديث أخرجاه في " الصحيحين " عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الخيل ، فقال : ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ثم لم ينس حق الله في رقابها ، ولا في ظهورها ، فهي لذلك ستر } ، وجوابه من وجهين : [ ص: 422 ] أحدهما : أن حقها إعادتها وحمل المنقطعين عليها ، فيكون ذلك على وجه الندب . والثاني : أن يكون واجبا ، ثم نسخ بدليل قوله : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل } ، إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم . انتهى كلامه .

وكذلك استدل به الشيخ في " الإمام " ، والحديث في " الصحيحين " عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث مانع الزكاة بطوله ، { وفيه الخيل ثلاثة : هي لرجل وزر ولرجل ستر ولرجل أجر ، فأما التي هي له وزر ، فرجل ربطها رياء وفخرا ، وأما التي هي له ستر ، فرجل ربطها في سبيل الله ، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ، ولا في رقابها }. وفي لفظ لمسلم : { في ظهورها ولا بطونها } ، الحديث . قوله : والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر ، قلت : غريب .

وأخرج الدارقطني في " سننه " عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب ، قال : جاء ناس من أهل الشام إلى عمر ، فقالوا : إنا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا ، وإنا نحب أن تزكيه ، فقال : ما فعله صاحباي قبلي فأفعل أنا ، ثم استشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أحسن ، وسكت علي ، فسأله ، فقال : هو حسن لو لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك ، فأخذ من الفرس عشرة دراهم ، ثم أعاده قريبا منه بالسند المذكور والقصة ، وقال فيه : فوضع على كل فرس دينارا . انتهى .

وروى محمد بن الحسن الشيباني في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة رضي الله عنه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أنه قال في الخيل السائمة التي يطلب نسلها : إن شئت في كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ، وإن شئت فالقيمة ، فيكون في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وفي كل ذكر فرس أو أنثى .

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول : ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص ، فندم البائع ، فلحق بعمر ، فقال : غصبني يعلى ، وأخوه فرسا لي ، فكتب إلى يعلى أن الحق بي ، فأتاه ، وأخبره الخبر ، فقال : إن [ ص: 423 ] الخيل لتبلغ هذا عندكم ؟ ما علمت أن فرسا يبلغ هذا ، فنأخذ من كل أربعين شاة شاة ، ولا نأخذ من الخيل شيئا ، خذ من كل فرس دينارا ، فقدر على الخيل دينارا . انتهى .

وروي أيضا عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن عثمان كان يصدق الخيل ، وأن السائب بن يزيد أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقة الخيل انتهى .

قال ابن عبد البر : وقد روى فيه جويرية عن مالك حديثا صحيحا ، أخرجه الدارقطني عن جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره ، قال : رأيت أبي يقيم الخيل ، ثم يرفع صدقتها إلى عمر رضي الله عنه . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية