نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 433 ] قال ( ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما ، فيكون فيها درهم ، ثم في كل أربعين درهما درهم ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه ، وهو قول الشافعي رحمه الله ; لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي رضي الله عنه { وما زاد على المائتين فبحسابه }ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال ، واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى ، وبعد النصاب في السوائم تحرزا عن التشقيص .

[ ص: 434 - 435 ] ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه { لا تأخذ من الكسور شيئا }. [ ص: 436 ] وقوله في حديث عمرو بن حزم : { وليس فيما دون الأربعين صدقة }ولأن الحرج مدفوع ، وفي إيجاب الكسور ذلك ; لتعذر الوقوف . والمعتبر في الدراهم وزن سبعة ، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل ، بذلك جرى التقدير في ديوان عمر رضي الله عنه ، واستقر الأمر عليه .


الحديث الثاني والعشرون : قال عليه السلام في حديث علي رضي الله عنه : { وما زاد على المائتين فبحسابه }قلت : أخرجه أبو داود عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كانت لك مائتا [ ص: 434 ] درهم ، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا ، فإذا كانت لك عشرون دينارا ، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك }.

قال : ولا أدري أعلي يقول : فبحساب ذلك ، أو رفعه إلى النبي عليه السلام ، قال أبو داود : رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ، ولم يرفعوه . انتهى . وقد تقدم في أحاديث الحول .

{ حديث آخر } : أخرجه أبو داود أيضا عن زهير ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث عن علي ، قال زهير : أحسبه عن النبي عليه السلام أنه قال : { هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما ، وليس عليكم شيء حتى يتم مائتا درهم . فإذا كانت مائتي درهم ، ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك } ، الحديث ، وروى الدارقطني في " سننه " مجزوما به ، ليس فيه : أحسبه .

وقال ابن القطان رحمه الله : إسناده صحيح ، وكلهم ثقات ، ولا أعني رواية الحارث ، وإنما أعني رواية عاصم . انتهى كلامه .

وقد تقدم في " زكاة البقر " وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن زيد بن حبان الكوفي عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { هاتوا ربع العشور ، من كل أربعين درهما درهم ، وما زاد فبحساب ذلك }انتهى . ولين زيد بن حبان ، وقال : لا أرى برواياته بأسا . انتهى .

قال عبد الحق في " أحكامه " : وقد أسند قوله : فما زاد فبحساب ذلك زيد بن حبان الرقي ، وأصله كوفي ، ثم نقل كلام ابن عدي فيه ، وأخرجه الدارقطني أيضا عن أيوب بن جابر الحنفي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعا بلفظ ابن عدي ، سواء ، قال الشيخ رحمه الله في " الإمام " : وأيوب بن جابر ضعفه ابن معين ، وأبو حاتم ، وقال أبو زرعة : واه الحديث ، وأجود ما رأيت فيه قول الإمام أحمد رضي الله عنه : أيوب بن جابر يشبه حديثه حديث أهل الصدق . انتهى .

وأخرجه البزار في " مسنده " عن الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه [ ص: 435 ] بنحوه . والحجاج ليس بحجة ، وبهذا الإسناد رواه الدارقطني أيضا ، وجميع ما تقدم طرق لحديث علي رضي الله عنه .

الآثار : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : في كل مائتي درهم خمسة ، فما زاد فبحساب ذلك انتهى .

ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " .

أثر آخر : رواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي نحوه . قال عبد الرزاق : فبحساب ذلك ، يقول فيه بعضهم : إذا زادت على المائتين ، فكانت زيادتها أربعين درهما ، ففيها درهم ، ويقول آخرون : فما زاد يعني إذا كانت عشرة ففيها ربع درهم . انتهى . وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن إبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، ومحمد بن سيرين رضي الله عنهم .

الحديث الثالث والعشرون : قال عليه السلام في حديث معاذ : { لا تأخذ من الكسور شيئا } ، قلت : روى الدارقطني في " سننه " من طريق ابن إسحاق عن المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن نسي عن معاذ { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا تأخذ من الكسور شيئا ، إذا كانت الورق مائتي درهم ، فخذ منها خمسة دراهم ، ولا تأخذ مما زاد شيئا حتى تبلغ أربعين درهما ، فإذا بلغت أربعين ، فخذ منها درهما }. انتهى .

وهو حديث ضعيف ، قال الدارقطني : المنهال بن الجراح هو أبو العطون متروك الحديث ، واسمه الجراح بن المنهال ، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه ، إذا روى عنه ، وعبادة بن نسي لم يسمع من معاذ . انتهى .

وقال النسائي : المنهال بن الجراح متروك الحديث ، وقال ابن حبان : كان يكذب ، وقال عبد الحق في " أحكامه " : كذاب ، وقال الشيخ في " الإمام " : قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : متروك الحديث ، واهيه ، لا يكتب حديثه . انتهى . وقال البيهقي : إسناد هذا الحديث ضعيف [ ص: 436 ] جدا .

الحديث الرابع والعشرون : قال عليه السلام في حديث عمرو بن حزم : { وليس فيما دون الأربعين صدقة } ، قلت : في " أحكام عبد الحق " : وروى أبو أويس عن عبد الله ، ومحمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن ، وفيه : الفضة ، ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ، ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة }. انتهى .

ولم يعزه عبد الحق لكتاب ، وكثيرا ما يفعل ذلك في " أحكامه " ، والموجود في كتاب عمرو بن حزم عند النسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، وغيرهم : { وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم ، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون خمس أواق شيء } ، وقد تقدم بتمامه .

وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم عن الحسن ، قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما : فيما زاد على المائتين ، ففي كل أربعين درهما درهم . انتهى .

وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس ، قال : ولاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصدقات ، فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ، وما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم ، وأن آخذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، فما زاد فبلغ أربعين درهما ، ففيه درهم . انتهى .

قوله : والمعتبر في الدراهم وزن سبعة ، وهو أن يكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل ، [ ص: 437 ] بذلك جرى التقدير في ديوان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، واستقر الأمر عليه ، قلت : روى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عبد الملك بن مروان " أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، قال : ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمس وسبعين ، وهو أول من أحدث ضربها ، ونقش عليها ، قال الواقدي : وحدثنا خالد بن ربيعة بن أبي هلال عن أبيه ، قال : كانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك بن مروان اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة بالشامي ، وكانت العشرة وزن سبعة . انتهى . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال في باب الصدقة وأحكامها " : كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا وصغارا ، فلما جاء الإسلام ، وأرادوا ضرب الدراهم ، وكانوا يزكونها من النوعين ، فنظروا إلى الدرهم الكبير ، فإذا هو ثمانية دوانيق ، وإلى الدرهم الصغير ، فإذا هو أربعة دوانيق ، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير ، فجعلوهما درهمين سواء ، كل واحد ستة دوانيق ، ثم اعتبروها بالمثاقيل ، ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص ، فوجدوا عشرة من هذه الدراهم التي واحدها ستة دوانيق يكون وزن سبعة مثاقيل ، سواء ، فاجتمعت فيه وجوه ثلاثة : إن العشرة منها وزن سبعة مثاقيل . وأنه عدل بين الكبار والصغار . وأنه موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة ، فمضت سنة الدراهم على هذا ، واجتمعت عليه الأمة ، فلم يختلف أن الدرهم التام ستة دوانيق ، فما زاد أو نقص قيل فيه : زائد ، أو ناقص ، والناس في زكواتهم بحمد الله تعالى على الأصل الذي هو السنة ، لم يزيغوا عنه ، وكذلك في المبايعات والديات على أهل الورق ، والله أعلم ، انتهى كلامه ملخصا محررا .

التالي السابق


الخدمات العلمية