نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 31 ] ( ومن دخل في صلاة التطوع أو في صوم التطوع ثم أفسده ) ( قضاه ) خلافا للشافعي رحمه الله ، له أنه تبرع بالمؤدى ، فلا يلزمه ما لم يتبرع به . ولنا أن المؤدى قربة وعمل ، فتجب صيانته بالمضي عن الإبطال ، وإذا وجب المضي وجب القضاء بتركه ، ثم عندنا لا يباح الإفطار فيه بغير عذر في إحدى الروايتين لما بينا ، ويباح بعذر ، والضيافة عذر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { أفطر واقض يوما مكانه }" .


الحديث العشرون : قال عليه السلام : { أفطر واقض يوما مكانه }" ، قلت : استدل به [ ص: 32 ] المصنف على إباحة الفطر في التطوع لعذر الضيافة ، وهذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " حدثنا محمد بن أبي حميد عن إبراهيم بن عبيد الله بن رفاعة الزرقي عن أبي سعيد الخدري ، قال : { صنع رجل طعاما ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رجل : إني صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخوك تكلف وصنع لك طعاما ، ودعاك ، أفطر واقض يوما مكانه }انتهى .

ورواه كذلك الدارقطني في " سننه " ، وقال : هذا مرسل ، إلا أنه قال فيه : عن إبراهيم بن عبيد .

{ حديث آخر } : رواه الدارقطني في " سننه " حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق [ ص: 33 ] ثنا علي بن سعيد الرازي ثنا عمرو بن خليفة بن إسحاق بن مرسال الخثعمي ثنا أبي ثنا عمي إسماعيل بن مرسال ثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله ، قال : { صنع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلما أتي بالطعام تنحى رجل منهم ، فقال له عليه السلام : ما لك ؟ قال : إني صائم ، فقال عليه السلام : تكلف أخوك وصنع طعاما ، ثم تقول : إني صائم ؟ كل وصم يوما مكانه }" انتهى .

ومن أحاديث الباب : ما أخرجه البخاري في " صحيحه في الصوم وفي الأدب " عن أبي جحيفة ، قال : { آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان ، وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة ، فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ، ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء ، فصنع له طعاما ، فقال له : كل ، فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل ، فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، فقال له سلمان : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نم ، فلما كان في آخر الليل ، قال سلمان : قم [ ص: 34 ] الآن ، قال فصليا ، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا . فأعط كل ذي حق حقه ، فأتى النبي عليه السلام ، فذكر ذلك له ، فقال عليه السلام : صدق سلمان }انتهى . وهذا الحديث صريح في إباحة الفطر من التطوع لعذر الضيافة ، ولم يتعرض فيه لذكر القضاء ، وبوب عليه البخاري في " الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع " ، ولم ير عليه قضاء ، وبوب عليه في " كتاب الأدب باب صنع الطعام للضيف " .

أحاديث الفطر في التطوع : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن عروة عن { عائشة ، قالت : كنت أنا وحفصة صائمتين ، فعرض طعام اشتهيناه ، فأكلنا منه ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة ، وكانت ابنة أبيها ، فقالت : يا رسول الله إنا كنا صائمتين ، فعرض لنا طعام اشتهيناه ، فأكلنا منه ، قال : اقضيا يوما آخر مكانه }" انتهى .

أخرجه أبو داود ، والنسائي عن زميل عن عروة به ، وأخرجه الترمذي عن الزهري عن عروة به ، قال الترمذي : وروى صالح بن أبي الأخضر ، ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة ، مثل هذا ، وروى مالك بن أنس ، ومعمر ، وعبيد الله بن عمر ، وزياد عن الزهري عن مالك بن سعد ، وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة ، ولم يذكروا فيه عن عروة ، وهذا أصح ، لأنه يروى عن ابن جريج ، قال : سألت الزهري ، فقلت له : أحدثك عروة عن عائشة ؟ قال : لم أسمع من عروة في [ ص: 35 ] هذا شيئا ، ولكن سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث : حدثنا بذلك علي بن عيسى البغدادي ثنا روح بن عبادة عن ابن جريج ، فذكره ، انتهى . وقال البخاري : لا يعرف لزميل سماع عن عروة ، ولا ليزيد من زميل ، ولا تقوم به الحجة انتهى .

وقال الخطابي : إسناده ضعيف ، وزميل مجهول ، قال : ولو ثبت احتمل أن يكون أمرهما استحبابا انتهى .

وبسند الترمذي رواه أحمد في " مسنده " ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والستين ، من القسم الأول : عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ، قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين ، الحديث . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا معمر عن الزهري أن عائشة ، وحفصة أصبحتا صائمتين ، الحديث . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد السلام بن حرب عن خصيف عن سعيد بن جبير أن عائشة ، وحفصة ، الحديث .

طريق آخر : رواه الطبراني في " معجمه " من حديث خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن عائشة ، وحفصة كانتا صائمتين ، الحديث .

[ ص: 36 ] طريق آخر : أخرجه البزار في " مسنده " عن حماد بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : أصبحت عائشة ، وحفصة صائمتين ، وقال : لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه ، وحماد بن الوليد لين الحديث انتهى .

ورواه الطبراني في " معجمه الوسيط " ، وقال : لم يروه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر إلا حماد بن الوليد . ورواه أبو همام محمد بن الزبرقان عن عبد الله بن عمر عن الزهري عن عروة عن عائشة انتهى .

طريق آخر : رواه الطبراني في " معجمه الوسيط " حدثنا موسى بن هارون ثنا محمد بن مهران الجمال ، قال : ذكره محمد بن أبي سلمة المكي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : { أهديت لعائشة ، وحفصة هدية ، وهما صائمتان ، فأكلتا منها ، فذكرتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اقضيا يوما مكانه ، ولا تعودا }" انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن الضحاك بن حمزة عن منصور بن زاذان عن الحسن عن أمه { أم سلمة أنها صامت تطوعا ، فأفطرت ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصوم يوما مكانه }انتهى . ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " ، وأعله بالضحاك بن حمزة .

{ حديث آخر } : موقوف حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عثمان التيمي عن أنس بن سيرين أنه صام يوم عرفة ، فعطش عطشا شديدا ، فأفطر ، فسأل عدة من أصحاب النبي عليه السلام عن ذلك ، فأمروه أن يقضي يوما مكانه انتهى .

أحاديث الخصوم : أخرج مسلم في " صحيحه " عن وكيع عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن { عائشة ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : يا عائشة هل عندكم شيء ؟ فقلت : يا رسول الله ما عندنا شيء ، قال : فإني صائم ، [ ص: 37 ] قالت : فأهديت لنا هدية ، أو جاءنا زور ، قالت : فلما رجع ، قلت : يا رسول الله أهديت لنا هدية ، أو جاءنا زور ، وقد خبأت لك شيئا ، قال : ما هو : قلت : حيس ، قال : هاتيه ، فجئته به ، فأكل ، وقال : قد كنت أصبحت صائما }.

قال طلحة : هو ابن يحيى ، فحدثت به مجاهدا ، فقال : ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء أمسكها ، انتهى .

وبهذا الإسناد قالت : { دخل علي النبي عليه السلام يوما ، فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلنا لا ، قال : فإني إذا صائم ، ثم أتانا يوما آخر ، فقلنا : يا رسول الله ، أهدي لنا حيس ، فقال : أدنيه ، فلقد أصبحت صائما ، فأكل }انتهى .

ورواه النسائي في " سننه الكبرى " : حدثنا محمد بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن طلحة به ، وقال فيه : فأكل . وقال : أصوم يوما مكانه ، ورواه الدارقطني ، وقال : لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلي ، ولم يتابع على قوله : وأصوم يوما مكانه ، ولعله شبه عليه لكثرة من خالفه عن ابن عيينة انتهى ، وكلامه يدل على أن الوهم من الراوي عن ابن عيينة ، وهو محمد بن عمرو الباهلي . وكلام النسائي يدل على أن الوهم من ابن عيينة نفسه . ورواه الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن طلحة به ، بلفظ النسائي ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، ثم قال : قال الشافعي : سمعت سفيان بن عيينة عامة مجالسه ، لا يذكر فيه : سأصوم يوما مكانه ، ثم عرضته عليه قبل موته بسنة ، فذكره فيه ، قال البيهقي : وقد رواه جماعة عن سفيان دون هذه اللفظة ، ورواه جماعة عن طلحة بن يحيى دون هذه اللفظة ، منهم سفيان الثوري ، وشعبة ، ووكيع ، ويحيى القطان ، وغيرهم ، قال : وحمل الشافعي قوله : سأصوم يوما مكانه ، أي تطوعا ، وجعله بمثابة قضائه عليه السلام الركعتين اللتين بعد الظهر ، حين شغله عنهما الوفد ، وجعل من هذا النوع حديث { عمر لما نذر أن يعتكف في الجاهلية ، فأمره عليه السلام أن يعتكف في الإسلام }قال الشافعي رضي الله عنه : وقد صح عنه عليه السلام من رواية جابر أنه خرج من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم . وهو صائم رفع إناء فشرب والناس ينظرون ، وفي لفظ : فكان ذلك بعد العصر ، قال الشافعي : ولما كان [ ص: 38 ] له قبل أن يدخل في صوم الفرض أن لا يدخل فيه لعذر السفر ، كان له إذا دخل فيه أن يخرج منه ، كما فعل عليه السلام ، فالتطوع أولى انتهى كلامه ملخصا .

{ حديث آخر } : حديث أم هانئ مرفوعا : { الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر } ، وفي سنده اختلاف ، وفي لفظه اختلاف ، رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ورواه البيهقي ، وتكلم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية