نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( وإن كان مفردا بالحج ينوي بتلبيته الحج ) لأنه عبادة والأعمال بالنيات ( والتلبية أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد [ ص: 97 ] والنعمة لك والملك لا شريك لك ) وقوله : إن الحمد بكسر الألف لا بفتحها ليكون ابتداء لا بناء إذ الفتحة صفة الأولى ، وهو إجابة لدعاء الخليل صلوات الله عليه على ما هو المعروف في القصة . [ ص: 98 ] ( ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات ) لأنه هو المنقول باتفاق الرواة فلا ينقص عنه ( ولو زاد فيها جاز ) خلافا للشافعي رحمه الله في رواية الربيع رحمه الله عنه هو اعتبره بالأذان والتشهد من حيث إنه ذكر منظوم . [ ص: 99 ] ولنا أن أجلاء الصحابة كابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم زادوا على المأثور ولأن المقصود الثناء وإظهار العبودية فلا يمنع من الزيادة عليه . قال : ( وإذا لبى فقد أحرم ) يعني إذا نوى لأن العبادة لا تتأدى إلا بالنية إلا أنه لم يذكرها لتقدم الإشارة إليها في قوله : اللهم إني أريد الحج ( ولا يصير [ ص: 100 ] بالتلبية ) خلافا للشافعي رحمه الله لأنه عقد على الأداء ، فلا بد من ذكر كما في تحريمة الصلاة ويصير شارعا بذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية فارسية كانت أو عربية ، هذا هو المشهور عن [ ص: 101 ] أصحابنا رحمهم الله ، والفرق بينه وبين الصلاة على أصلهما أن باب الحج أوسع من باب الصلاة حتى يقام غير الذكر مقام الذكر كتقليد البدن ، فكذا غير التلبية وغير العربية .


قوله : وهو إجابة لدعاء الخليل عليه السلام على ما هو المعروف في القصة يعني في التلبية ، قلت : فيه آثار عن الصحابة والتابعين . فمنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " في فضائل إبراهيم عليه السلام عن جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه أن أذن في الناس بالحج ، قال : فقال إبراهيم : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا . وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من حجر . أو شجر . أو مدر ، أو غير ذلك : لبيك اللهم لبيك انتهى .

وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى . وفيه نظر ، نقل عن ابن معين أنه قال : حديث عطاء بن السائب ضعيف إلا ما كان من رواية سفيان ، وشعبة ، وحماد بن سلمة ، إلا حديثين سمعهما شعبة بآخره ، والله أعلم . وأخرجه أيضا عن جرير عن قابوس عن أبيه عن [ ص: 98 ] ابن عباس ، قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قال : رب قد فرغت ، فقال : أذن في الناس بالحج ، قال : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن ، وعلي البلاغ ، قال : رب كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس . كتب عليكم الحج ، حج البيت العتيق ، فسمعه من بين السماء والأرض ، ألا ترون أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون ؟ انتهى . وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

طريق آخر : روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة ثنا أبو عاصم عن أبي الطفيل ، قال : قلت لابن عباس : أتدري كيف كانت التلبية ؟ إن إبراهيم أمر أن يؤذن الناس بالحج ، فرفعت له القرى ، وخفضت الجبال رءوسها ، فأذن في الناس بالحج ، وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فأجابوه ، مختصر . وفيه قصة .

آخر : رواه أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في " تاريخ مكة " حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن عمر الواقدي عن ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال عبد الله بن سلام : لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس قام على المقام ، فارتفع المقام حتى أشرف على ما تحته ، وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فأجابه الناس ، فقالوا : لبيك اللهم لبيك انتهى .

وروي أيضا : حدثني جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : قام إبراهيم عليه السلام على هذا المقام ، فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فقالوا : لبيك اللهم لبيك ، قال : فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ انتهى .

قوله : ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات ; لأنه المنقول باتفاق الرواة ، فلا ينقص عنه ، قلت : فيه نظر ، إذ ليس ما ذكره من التلبية منقولا باتفاق الرواة ، فقد روى حديث التلبية عائشة ، وعبد الله بن مسعود ، وليس فيه : والملك لك ، لا شريك لك .

فحديث عائشة : أخرجه البخاري في " صحيحه " عن أبي عطية عن { عائشة ، قالت : إني لأعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك [ ص: 99 ] لبيك ، إن الحمد والنعمة لك }انتهى . ووهم شيخنا علاء الدين في عزوه للشيخين ، فإن مسلما لم يخرج حديث عائشة أصلا .

وحديث ابن مسعود : أخرجه النسائي في " سننه " عن حماد بن زيد عن أبان بن تغلب عن أبي إسحاق عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله ، قال : { كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك }انتهى .

وكذلك رواه الطحاوي في " شرح الآثار " ، وهي موجودة في حديث ابن عمر ، أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن نافع عنه ، قال : { كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك }.

قال : وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها : لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك ، والرغباء إليك والعمل انتهى .

وموجودة في حديث جابر أيضا ، أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ، بمثل حديث ابن عمر ، خلا الزيادة . قوله : روي أن أجلاء الصحابة : كابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي هريرة رضي الله عنهم زادوا على المأثور يعني في التلبية ، قلت : حديث ابن عمر رواه الأئمة الستة في كتبهم عن نافع عن ابن عمر { أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك }. قال : وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبيته : لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك ، والرغباء إليك والعمل انتهى .

وأخرج مسلم هذه الزيادة من قول عمر أيضا ، ولفظه : عن ابن عمر ، قال : وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ، ويقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك لبيك ، والرغباء إليك والعمل ، مختصر . وقوله : من هؤلاء الكلمات ، يريد تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عمر ، وجهل [ ص: 100 ] من قال : يعني المذكور في حديث عائشة ، لأن مسلما لم يخرج حديث عائشة أصلا ، ولا خرج في التلبية غير حديث ابن عمر ، ثم ذكر هذا عقيبه ، والله أعلم . وحديث ابن مسعود رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا وهب بن جرير بن حازم ، قال : سمعت أبي يحدث عن أبي إسحاق المهراني عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : حججنا في إمارة عثمان بن عفان مع عبد الله بن مسعود ، فذكر حديثا فيه طول ، وفي آخره : وزاد ابن مسعود في تلبيته ، فقال : لبيك عدد التراب ، وما سمعته قبل ذلك ، ولا بعد انتهى .

وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، وحديث أبي هريرة غريب عنه ، لكنه روى زيادة مرفوعة في حديث أخرجه النسائي ، وابن ماجه عن الأعرج عن أبي هريرة . قال : { كان من تلبية النبي عليه السلام : لبيك إله الحق لبيك }انتهى .

ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني عشر ، من القسم الخامس ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى .

أحاديث الباب : أخرج أبو داود عن يحيى بن سعيد ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ، قال : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية بمثل حديث ابن عمر ، وزاد : قال : والناس يزيدون : لبيك ذا المعارج ، ونحوه من الكلام ، والنبي عليه السلام يسمع ، فلا يقول لهم شيئا ، انتهى .

وأخرجه ابن ماجه عن سفيان عن جعفر به ، بدون الزيادة ، ولم ينصف المنذري ، إذ قال عقيبه : وأخرجه ابن ماجه ، لأنه يوهم أنه أخرجه بالزيادة ، ومن هنا يظهر أنه كان يقلد أصحاب " الأطراف " ، والله أعلم .

{ حديث آخر } : روى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة الحسن بن علي " أخبرنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن أبي مسلم ، قال : سمعت الحسن بن علي يزيد في التلبية : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى .

{ حديث آخر } : روى الشافعي ثنا سعيد عن ابن جريج ، قال : أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال : { كان النبي عليه السلام يظهر من التلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك ، والملك لك ، لا شريك لك ، قال : حتى إذا [ ص: 101 ] كان ذات يوم والناس يصرفون عنه ، كأنه أعجبه ما هو فيه ، فزاد فيها : لبيك إن العيش عيش الآخرة } ، قال ابن جريج : وحسبت أن ذاك يوم عرفة انتهى . وهو مرسل من الإمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية