نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 106 - 107 ] قال : ( ولا بأس بأن يغتسل ويدخل الحمام ) لأن عمر رضي الله عنه اغتسل وهو محرم ( و ) ولا بأس بأن ( يستظل بالبيت والمحمل ) وقال مالك رحمه الله : يكره أن يستظل بالفسطاط وما أشبه ذلك لأنه يشبه تغطية الرأس . [ ص: 108 ] ولنا أن عثمان رضي الله عنه كان يضرب له فسطاط في إحرامه ولأنه لا يمس بدنه فأشبه البيت ( ولو دخل تحت أستار الكعبة حتى غطته إن كان لا يصيب رأسه ولا وجهه فلا بأس به ) لأنه استظلال ( و ) لا بأس بأن ( يشد في وسطه الهميان ) وقال مالك رحمه الله : يكره إذا كان فيه نفقة غيره لأنه لا ضرورة . ولنا أنه ليس في معنى لبس المخيط فاستوت فيه الحالتان ( ولا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمي ) لأنه نوع طيب ولأنه يقتل هوام الرأس .


قوله : روي أن عمر اغتسل وهو محرم ، قلت : رواه مالك في " الموطأ " عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن أمية ، وهو يصبب على عمر بن الخطاب ماء : اصبب على رأسي ، فقال يعلى : أتريد أن تجعلها بي ، إن أمرتني صببت ، فقال له عمر : اصبب علي ، فلن يزيده الماء إلا شعثا انتهى .

طريق آخر : رواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أخبرني عطاء بن صفوان بن يعلى أخبره عن يعلى بن أمية أنه قال : بينما عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير ، وأنا أستر عليه بثوب ، إذ قال عمر : يا يعلى اصبب على رأسي ؟ فقلت : أمير المؤمنين أعلم ، فقال عمر : والله ما يزيد الماء الشعر إلا شعثا ، فسمى الله ، ثم أفاض على رأسه انتهى .

طريق آخر : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، والشافعي في " مسنده " قالا : حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال لي عمر : تعال أنافسك في الماء ، أينا أطول نفسا فيه ، ونحن محرمون انتهى .

أحاديث الباب : أخرج البخاري ، ومسلم عن عبد الله بن حنين أن عبد الله بن عباس ، والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء ، فقال ابن عباس : يغسل المحرم رأسه ، وقال المسور : لا يغسل ، فأرسله عبد الله بن عباس ، إلى أبي أيوب الأنصاري فوجده يغتسل بين القرنين ، وهو مستتر بثوب ، قال : فسلمت عليه ، فقال : من هذا ؟ قلت : أنا عبد الله بن [ ص: 108 ] حنين أرسلني عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ قال : فوضع أبو أيوب يده على الثوب ، فطأطأه حتى بدا لي رأسه ، ثم قال لإنسان يصبب عليه : اصبب ، فصب على رأسه ، ثم حرك أبو أيوب رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ، ثم قال : هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل انتهى .

{ حديث آخر } : حديث " الذي وقصته راحلته " نقل البيهقي عن الشافعي أنه استدل لهذه المسألة ، وفيه { أنه عليه السلام أمر أن يغسل بماء وسدر ، وأن لا يقرب طيبا }انتهى .

الآثار : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ، أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم ، وقال : والله ما يعبأ الله بأوساخنا شيئا انتهى .

وأخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " عن أيوب السختياني به ، قال : المحرم يشم الريحان ، ويدخل الحمام ، قال الشيخ في " الإمام " : قال المنذري : حديث حسن ، وأسناده ثقات ، انتهى .

وروى ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر ، قال : لا بأس أن يغتسل المحرم ، ويغسل ثيابه انتهى . حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم عن ابن عمر ، نحوه . قوله : روي أن عثمان كان يضرب له فسطاط في إحرامه ، قلت : غريب ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع ثنا الصلت عن عقبة بن صهبان ، قال : رأيت [ ص: 109 ] عثمان بالأبطح ، وأن فسطاطه مضروب ، وسيفه معلق بالشجرة انتهى .

ذكره في " باب المحرم يحمل السلاح " ، والمصنف استدل بهذا الأثر على أن المحرم يجوز له أن يستظل بالبيت ، والفسطاط ، والمحمل ، ونحو ذلك ، ووافق هنا الشافعي في ذلك ، ومنعه أحمد ، ذكره ابن الجوزي في " التحقيق " ، واستدل لمذهبنا بحديث أم الحصين ، أخرجه مسلم قالت : { حججت مع النبي عليه السلام حجة الوداع فرأيت أسامة ، وبلالا ، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي عليه السلام ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر ، حتى رمى جمرة العقبة ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا كثيرا ، ثم سمعته يقول : إن أمر عليكم عبد مجدع ، حسبتها قالت : أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا }انتهى .

وفي لفظ : رافع ثوبه على رأس النبي عليه السلام من الشمس ، الحديث ، ثم أجاب عنه : فقال : يحتمل أن يكون إنما رفع الثوب من ناحية الشمس ، لا أنه رفعه على رأسه وظلله به ، قال في " التنقيح " : وهذا لا يستقيم ، فإن التظليل على النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان بعد الزوال ، والشمس في الصيف على الرءوس ، فتعين أن يكون التظليل على رأسه صلى الله عليه وسلم وكأنه ذهل عن لفظ مسلم ، والآخر رافع ثوبه على رأس النبي عليه السلام يظله من الشمس ، ورأيته في غير كتاب " التنقيح " ، نقل عن الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ، قال : لا حجة فيه ، لجواز أن يكون هذا الرمي الذي في قوله : حتى رمى جمرة العقبة وقع في غير يوم النحر ، أما في اليوم الثاني ، أو الثالث ، فيكون حينئذ قد حل عليه السلام من إحرامه ، وينبغي أن ينظر ألفاظه ، فإن ورد : حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر ، صح الاحتجاج ، لكنه يبعد من جهة أن جمرة العقبة يوم النحر في أول النهار وقت صلاة العيد ، وذلك الوقت لا يحتاج إلى التظليل من الحر أو الشمس ، والله أعلم . واستدل الشيخ في " الإمام " كذلك بما في حديث جابر الطويل ، فأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزلها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، الحديث ، ونمرة : بفتح النون ، وكسر الميم موضع بعرفة ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر ، قال : خرجت مع عمر ، فكان يطرح النطع على الشجرة فيستظل به يعني وهو محرم انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية