نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
قال : ( ويرفع يديه ) لقوله عليه السلام " { لا ترفع الأيدي إلا في سبعة [ ص: 116 ] مواطن } ، وذكر من جملتها استلام الحجر " . قال : ( واستلمه إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما ) لما روي { أن النبي [ ص: 117 ] عليه الصلاة والسلام قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه وقال لعمر رضي الله عنه إنك رجل أيد تؤذي الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه وإن لا فاستقبله وهلل وكبر }ولأن الاستلام سنة والتحرز [ ص: 118 ] عن أذى المسلم واجب . قال : ( وإن أمكنه أن يمس الحجر بشيء في يده ) كالعرجون وغيره ( ثم قبل ذلك فعل ) لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه }وإن لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله [ ص: 119 ] وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام .


الحديث الخامس عشر : قال عليه الصلاة والسلام { لا ترفع الأيدي إلا في سبع [ ص: 116 ] مواطن }وذكر من جملتها استلام الحجر ، قلت : تقدم الحديث في صفة الصلاة ، وليس فيه استلام الحجر .

الحديث السادس عشر : روي { أنه عليه السلام قبل الحجر الأسود ، ووضع شفتيه عليه } ، قلت : أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن عون عن نافع عن ابن عمر ، قال : { استقبل النبي عليه السلام الحجر ، ثم وضع شفتيه عليه ، فبكى طويلا ، ثم التفت ، فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي ، فقال : يا عمر هاهنا تسكب العيون }انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، ولم يتعقبه الذهبي في " مختصره " ، ولكنه في " ميزانه " أعله بمحمد بن عون ، ونقل عن البخاري أنه قال : هو منكر الحديث انتهى .

ورواه العقيلي ، وابن عدي في " كتابيهما " ، وأسند ابن عدي تضعيف ابن عون عن البخاري ، والنسائي ، وابن معين ، وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : هو قليل الرواية ، ولا يحتج به إلا إذا وافق الثقات انتهى .

وقال في " الإمام " : ومحمد بن عون هذا هو الخراساني ، قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال البخاري ، والرازي : منكر الحديث ، وقال النسائي ، والأزدي : متروك الحديث انتهى .

والحديث رواه الأئمة الستة في " كتبهم " ليس فيه ذكر الشفتين ، أخرجوه عن عمر بن الخطاب أنه جاء إلى الحجر فقبله ، وقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك انتهى .

ورواه الحاكم في " المستدرك " بزيادة فيه ، أخرجه عن أبي هارون العبدي ، واسمه : عمارة بن جوين عن أبي سعيد الخدري ، قال : حججنا مع عمر بن الخطاب أول حجة حجها من إمارته ، فلما دخل المسجد الحرام أتى الحجر فقبله ، واستلمه ، وقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ، فقال له علي بن أبي طالب : بلى يا أمير المؤمنين إنه ليضر وينفع ، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لعلمت أنه كما أقول ، قال الله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى }فلما أقروا أنه الرب عز وجل ، [ ص: 117 ] وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق ، ثم ألقمه في هذا الحجر ، وأنه يبعث يوم القيامة ، وله عينان ولسانان وشفتان ، يشهد لمن وافاه بالموافاة ، فهو أمين الله في هذا الكتاب ، فقال له عمر بن الخطاب : لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن انتهى .

وقال : ليس هذا الحديث على شرط الشيخين ، فإنهما لم يحتجا بأبي هارون العبدي انتهى . قال الذهبي في " مختصره " : وأبو هارون العبدي ساقط انتهى .

{ حديث آخر } : أخرجه البخاري في " صحيحه " { عن ابن عمر أنه سئل عن استلام الحجر ، فقال : رأيته عليه السلام يستلمه ويقبله }انتهى .

{ حديث آخر } : روى ابن أبي شيبة في " مسنده " في آخر مسند أبي بكر بسنده عن عيسى بن طلحة عن رجل رأى { النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجر ، فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ثم قبله ، قال : ثم حج أبو بكر فوقف عند الحجر ، فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك }انتهى .

وهذا متن غريب ، وتراجع بقية إسناده .

الحديث السابع عشر : روي { أن النبي عليه السلام قال لعمر : إنك رجل أيد تؤذي الضعيف ، فلا تزاحم الناس على الحجر ، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه ، وإلا فاستقبله ، وكبر وهلل } ، قلت : رواه أحمد ، والشافعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي ، كلهم عن سفيان عن أبي يعفور العبدي واسمه : وقدان ، قال : سمعت شيخنا بمكة في إمارة الحجاج يحدث { عن عمر بن الخطاب أن النبي عليه السلام ، قال له : إنك رجل قوي ، لا تزاحم الناس على الحجر ، فتؤذي الضعيف ، إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله ، وكبر وهلل } ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا السفيانان عن [ ص: 118 ] أبي يعفور به ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا أبو الأحوص عن أبي يعفور به ، قال الدارقطني في " كتاب العلل " : قال ابن عيينة : ذكروا أن هذا الشيخ هو عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث انتهى .

الحديث الثامن عشر : روي { أنه عليه السلام طاف على راحلته ، واستلم الأركان بمحجنه } ، قلت : روي من حديث ابن عباس ، ومن حديث جابر ، ومن حديث أبي الطفيل ، ومن حديث صفية بنت شيبة ، ومن حديث طارق بن أشيم .

فحديث ابن عباس : أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه } ، انتهى .

وحديث جابر أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { طاف النبي عليه السلام في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ، لأن يراه الناس ، أو ليشرف وليسألوه ، فإن الناس غشوه }انتهى وأخرجه البخاري عن جابر ، فذكره إلى قوله : لأن يراه الناس ، ويراجع .

وحديث أبي الطفيل : أخرجه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه عنه ، واسمه : عامر بن واثلة ، قال : رأيت { النبي عليه السلام يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن }انتهى .

وحديث صفية : أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن [ ص: 119 ] عبيد الله بن عبد الله عن صفية بنت شيبة ، قالت : { لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده ، قالت : وأنا أنظر إليه }انتهى .

وصفية بنت شيبة أخرج لها البخاري حديثا في " صحيحه " ، وقيل : ليست بصحابية ، فالحديث مرسل ، حكي ذلك عن النسائي ، والبرقاني ، وقد ذكرها ابن السكن ، وكذلك ابن عبد البر في " الصحابة " ، وقيل : لها رؤية ، كما في الحديث .

و { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عنها أنها سمعت النبي عليه السلام يخطب عام الفتح ، غير أن هذين الحديثين من رواية محمد بن إسحاق ، وفيه مقال ، واختلف العلماء في العلة المقتضية لطوافه عليه السلام راكبا ، فقيل : لأن يراه الناس ، صرح بذلك في مسلم ، كما تقدم في حديث جابر ، وأخرجا عن أبي الطفيل ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا ، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة ، قال : صدقوا وكذبوا ، قلت : ما قولك : صدقوا وكذبوا ؟ قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس ، يقولون : هذا محمد ، هذا محمد ، حتى خرج العواتق من الخدور ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه ، فلما كثروا عليه ركب } ، والمشي والسعي أفضل مختصر ، وقيل : كراهية أن يضرب عنه الناس ، ورد ذلك أيضا في " صحيح مسلم " ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن ، كراهية أن يضرب عنه الناس }انتهى .

قال القرطبي : وليس بناجح ، لاحتمال عود الضمير في " عنه " إلى الركن انتهى . قيل : إنه كان به شكاية ، أخرجه أبو داود في " سننه " عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، فلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين }انتهى .

ورواه البيهقي ، وضعف ابن أبي زياد ، وقال : إنه تفرد بقوله : وهو يشتكي لم يوافق عليها انتهى . قلت : [ ص: 120 ] روى محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن سليمان أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة ، فجعل حماد يصعد الصفا ، وعكرمة لا يصعده ، ويصعد حماد المروة ، وعكرمة لا يصعده ، فقال له حماد : يا أبا عبد الله ألا تصعد الصفا والمروة ؟ فقال : هكذا كان طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حماد : فلقيت سعيد بن جبير ، فذكرت له ذلك ، فقال : إنما { طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ، وهو شاك يستلم الأركان بمحجن ، فطاف بالصفا والمروة على راحلته } ، فمن أجل ذلك لم يصعد انتهى .

وهذا مرسل ، وقد أشار البخاري في " صحيحه " إلى هذا المعنى ، فقال : " باب المريض يطوف راكبا " ، ثم ذكر حديث ابن عباس المتقدم ، ثم ذكر حديث { أم سلمة أنها اشتكت ، فقال لها عليه السلام : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، قالت : فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت } ، ورواه مسلم أيضا ، وفي لفظ للبخاري ، فقال لها عليه السلام : { إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي على بعيرك ، والناس يصلون ، ففعلت ذلك }انتهى .

وأما حديث طارق بن أشيم : فأخرجه أبو القاسم البغوي ، وابن قانع في " معجميهما " ، والعقيلي في " كتابه " عن محمد بن عبد الرحمن بن قدامة الثقفي ثنا أبو مالك الأشجعي عن أبيه ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف حول البيت ، فإذا ازدحم الناس على الحجر استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحجن بيده }انتهى .

قال البغوي : لا أعلم روى هذا غير محمد بن عبد الرحمن الثقفي ، وأبو مالك الأشجعي اسمه : سعد بن طارق . وأبوه طارق بن أشيم ، سكن الكوفة ، روى عن النبي عليه السلام أحاديث ، انتهى .

وقال العقيلي : محمد بن عبد الرحمن بن قدامة ، قال البخاري : فيه نظر ، وقال الشيخ في " الإمام " : وقال شيخنا المنذري : رجال هذا الحديث كلهم ثقات ، خلا محمد بن عبد الرحمن بن قدامة الثقفي ، فإن البخاري ، قال : إن فيه نظرا انتهى . [ ص: 121 ] وأما حديث أم عمارة : فرواه الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب عن { أم عمارة ، قالت : شهدت عمرة القضاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت قد شهدت الحديبية ، فكأني أنظر إلى النبي عليه السلام حتى انتهى إلى البيت ، وهو على راحلته ، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، وقد صف له المسلمون ، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا بثوبه على راحلته } ، مختصر .

ومن أحاديث الباب : ما أخرجه البخاري ، ومسلم ، واللفظ لمسلم عن أبي خالد الأحمر عن عبيد الله عن نافع ، قال : رأيت { ابن عمر يستلم الحجر بيده ، ثم يقبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله }انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية