صفحة جزء
[ ص: 65 ] الثالث : قد ذكرنا ما حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأي لفظ كان ، وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال : " كل من علم له سماع من إنسان ، فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه ، وكل من علم له لقاء إنسان ، فحدث عنه فحكمه هذا الحكم " .

وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه .

ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا ، والظاهر السلامة من وصمة التدليس ، والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس .

ومن أمثلة ذلك : قوله : " قال فلان كذا وكذا " مثل أن يقول نافع : " قال ابن عمر " . وكذلك لو قال عنه : " ذكر ، أو فعل ، أو حدث ، أو كان يقول كذا وكذا " ، وما جانس ذلك ، فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال ، وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما ، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة .

ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشروط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء ، أو السماع ، كما حكيناه آنفا . وقال فيه أبو عمرو [ ص: 66 ] المقرئ : " إذا كان معروفا بالرواية عنه " . وقال فيه أبو الحسن القابسي : " إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا " .

وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم .

وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره ، حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع ، وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه ، وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد ، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها .

وفيما قاله مسلم نظر ، وقد قيل : إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم : علي بن المديني ، والبخاري ، وغيرهما ، والله أعلم .

قلت : وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين ، فيما وجد من [ ص: 67 ] المصنفين في تصانيفهم ، مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه : " ذكر فلان ، قال فلان " ونحو ذلك ، فافهم كل ذلك ، فإنه مهم عزيز ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية