صفحة جزء
[ ص: 428 ] فصل

[ الشهادة على الشهادة وصفة الإشهاد ]

تجوز الشهادة على الشهادة فيما لا يسقط ( ف ) بالشبهة ، ولا تجوز شهادة واحد على شهادة واحد ، ويجوز شهادة رجلين على شهادة رجلين . وصفة الإشهاد أن يقول الأصل : اشهد على شهادتي أني أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا ، ويقول الفرع عند الأداء : أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا ، وقال لي : اشهد على شهادتي بذلك ، ولا تقبل شهادة الفروع إلا إذا تعذر حضور الأصول مجلس الحكم . فإن عدلهم شهود الفرع جاز ، وإن سكتوا عنهم جاز ، وإذا أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفروع ، والتعريف يتم بذكر الجد أو الفخذ ، والنسبة إلى المصر والمحلة الكبيرة عامة ، وإلى السكة الصغيرة خاصة .


فصل

( تجوز الشهادة على الشهادة فيما لا يسقط بالشبهة ) والأصل في جوازها إجماع الأمة على ذلك واحتياج الناس إلى إحياء الحقوق بذلك لأنه قد يعجز عن الأداء لمرض أو موت أو سفر ، فلولا ذلك يبطل حقوق الناس ، وتجوز الشهادة على الشهادة وإن بعد للحاجة على ما بينا .

وعن علي - رضي الله عنه - أنه تقبل في الشهادة على الشهادة شهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين ، ولأنه نقل خبر يثبت به حق المدعي فيجوز كالشهادة على الإقرار ، وإنما لم تجز في الحدود والقصاص لأن مبناهما على الإسقاط والدرء ، وفي ذلك احتيال للثبوت ؛ ولأن فيها شبهة لزيادة احتمال الكذب أو البدلية ، والحدود تسقط بالشبهات ، وتقبل على استيفاء الحدود لأن الاستيفاء لا يسقط بالشبهة ، وما يوجب التعزير عن أبي حنيفة أنه لا يقبل كسائر العقوبات ، وعن أبي يوسف أنه يقبل ، لأن التعزير لا يسقط بالشبهة ، لما روي : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلا بالتهمة " والحبس تعزير .

قال : ( ولا تجوز شهادة واحد على شهادة واحد ) لأنه حق فلا بد من النصاب . وعن علي - رضي الله عنه - : لا تجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين .

[ ص: 429 ] قال : ( ويجوز شهادة رجلين على شهادة رجلين ) لما روينا من حديث علي - رضي الله عنه - أولا ، ولأن شهادة كل أصل حق فصار كما إذا شهدا بحقين .

( وصفة الإشهاد أن يقول الأصل : اشهد على شهادتي أني أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا ) لأن الفرع ينقل شهادة الأصل ، فلا بد من التحميل لما بينا ، فيشهد كما يشهد عند القاضي لينقلها إليه .

قال : ( ويقول الفرع عند الأداء : أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا ، وقال لي اشهد على شهادتي بذلك ) لأنه لا بد من ذكر شهادته وذكر شهادة الأصل والتحميل وذلك بما ذكرنا ، وذكر الخصاف أنه يحتاج إلى أن يأتي بلفظ الشهادة ثماني مرات ، وهو أن يقول : أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته وهو يشهد أن فلانا أقر عنده بكذا وأشهده على إقراره ، وقال لي : اشهد على شهادتي وأنا أشهد بذلك . ومن أصحابنا من اكتفى بخمس وهو ما ذكرنا أولا . ومنهم من قال أربعا وهو أن يقول : أشهد أن فلانا أشهدني ، وقال لي : اشهد على شهادتي . ومنهم من قال ثلاث مرات ، وهو أقل ما قيل فيه وهو أن يقول : أشهد أن فلانا قال لي : اشهد على شهادتي ، أو أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته . والأحسن ما ذكر في الكتاب ، والأحوط ما ذكره الخصاف ؛ لأن فيه تحرزا عن اختلاف كثير بين العلماء يصغر كتابنا عن استيعابه .

قال : ( ولا تقبل شهادة الفروع إلا إذا تعذر حضور الأصول مجلس الحكم ) وقال أبو يوسف تقبل لأنهم بمنزلة المرأتين مع الرجل الثاني نظرا إلى قوله تعالى : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) وأجمعنا على جواز شهادة المرأتين مع وجود الرجل الثاني فكذلك هذا . وجه الظاهر أن الأصل عدم الجواز ، وإنما جوزناها لما ذكرنا من الحاجة ، ولا حاجة مع حضرة الأصول ؛ ولأن الفروع أبدال ، ولا حكم للبدل مع وجود الأصل كما في النظائر ، وشهادة المرأتين ليست بدلية ؛ لأن الآية خطاب للحكام ، كأنه قال لهم فاطلبوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكن وجاء رجل وامرأتان ترضونهم فاقبلوا شهادتهم . والعذر موت أو مرض أو سفر ، لأن الحاجة عند تعذر شهادة الأصول وذلك فيما ذكرنا .

[ ص: 430 ] أما الموت فظاهر وأما المرض فالمراد به مرض لا يستطيع معه حضور مجلس القضاء . وأما السفر فمقدر بمدة السفر ، لأن بعد المسافة عذر ، والشرع قد اعتبر ذلك المدة حتى رتب عليها كثيرا من الأحكام . وقال أبو يوسف : إن أمكنه أن يحضر مجلس القضاء ويعود إلى أهله في يومه فليس بعذر ، وإن لم يمكنه ذلك فهو عذر ، لأن البيتوتة في غير أهله مشقة . قال أبو الليث : وبه نأخذ .

قال : ( فإن عدلهم شهود الفرع جاز ) لأنهم من أهل التزكية ، ومثله لو شهد اثنان فزكى أحدهما الآخر جاز ، ولا يكون ذلك تهمة في حقه حيث إنه سبب قبول قوله فإن العدل لا يتهم بمثله . ألا ترى أنه لا يتهم في إقامة شهادته ؟ ( وإن سكتوا عنهم جاز ) ويسأل القاضي عنهم عند أبي يوسف ، لأن الواجب على النقل دون التعديل ، فإذا نقلوها يتعرف القاضي العدالة من غيرهم . وقال محمد : لا تقبل ، لأن الشهادة تعتمد العدالة فإذا سكتوا صاروا شاكين فيما شهدوا به فلا تقبل .

قال : ( وإذا أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفروع ) لأن من شرطها التحميل وقد وقع التعارض فيه فلا يثبت بالشك; ولو ارتد شاهدا الأصل ثم أسلما ، لم تقبل شهادة الفروع ؛ لأن بالردة بطل الإشهاد; ولو ردت شهادة الفروع لتهمة في الأصول ، ثم تاب الأصول لم تقبل شهادة الأصول ولا الفروع ؛ لأن الفروع نقلوا شهادة الأصول ، فالمردود شهادة الأصول; ويجوز شهادة الابن على شهادة الأب ، لأنه لا منفعة لابنه في ذلك .

قال : ( والتعريف يتم بذكر الجد أو الفخذ ) لأن التعريف لا بد منه ولا يحصل إلا بما ذكرنا ، لأن النسبة إلى القبيلة كبني تميم لا يحصل به التعريف لأنهم لا يحصون ، فلا بد من التعريف بالفخذ وهي القبيلة الخاصة ، وكذا ذكر الأب ، لأن كثيرا ما يقع الاشتراك في اسم الإنسان واسم أبيه . أما الاشتراك مع ذلك في اسم الجد فنادر فحصل به التعريف .

( والنسبة إلى المصر والمحلة الكبيرة عامة ) لأنهم لا يحصون .

( وإلى السكة الصغيرة خاصة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية