صفحة جزء
[ ص: 442 ] ويعزل عن أمته بغير إذنها ، وعن زوجته بإذنها; ويكره استخدام الخصيان; ويكره اللعب بالنرد والشطرنج وكل لهو ، ووصل الشعر بشعر الآدمي حرام; ويكره أن يدعو الله إلا به ، أو يقول في دعائه : أسألك بمعقد العز من عرشك ، ورد السلام فريضة على كل من سمع السلام إذا قام به بعض القوم سقط عن الباقين . والتسليم سنة وثواب المسلم أكثر; ويكره السلام على أهل الذمة ، ولا بأس برد السلام على أهل الذمة ومن دعاه السلطان أو الأمير ليسأله عن أشياء لا ينبغي أن يتكلم بغير الحق ; واستماع الملاهي حرام ; ويكره تعشير المصحف ونقطه ، ولا بأس بتحليته ، ولا بأس بنقش المسجد ، ولا بأس بدخول الذمي المسجد الحرام أو غيره من المساجد .


فصل

في مسائل مختلفة

قال : ( ويعزل عن أمته بغير إذنها ، وعن زوجته بإذنها ) لأن للزوجة حقا في الوطء لقضاء الشهوة وتحصيل الولد حتى يثبت لها الخيار في الجب والعنة ولا حق للأمة ، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن العزل عن الحرة إلا بإذنها ، وقال لمولى الأمة : " اعزل عنها إن شئت " .

قال : ( ويكره استخدام الخصيان ) لأنه تحريض على الخصاء المنهي عنه لكونه مثلة .

قال : ( ويكره اللعب بالنرد والشطرنج وكل لهو ) قال عليه الصلاة والسلام : " كل لعب ابن آدم حرام إلا ثلاثا : ملاعبة الرجل مع امرأته ، ورمي عن قوسه ، وتأديبه فرسه " ولأنه إن قامر عليه فهو ميسر وإلا فهو عبث والكل حرام ، وقال عليه الصلاة والسلام : " لست من دد ولا الدد مني " أي اللعب ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( ما ألهاك عن ذكر الله فهو ميسر " وهذا اللعب مما يلهي عن الجمع والجماعات فيكون حراما . وعن علي رضي الله عنه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فلم يسلم عليهم وقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ . وعن ابن عمر [ ص: 443 ] مثله . ولم ير أبو حنيفة بأسا بالسلام عليهم ليشغلهم عن اللعب ، وكرها ذلك استحقارا بهم وإهانة لهم .

والجوز الذي يلعب به الصبيان يوم العيد يؤكل إن لم يكن على سبيل المقامرة ، لما روي أن ابن عمر كان يشتري الجوز لصبيانه يوم الفطر يلعبون به وكان يأكل منه ، فإن قامروا به حرم . قال : ( ووصل الشعر بشعر الآدمي حرام ) سواء كان شعرها أو شعر غيرها لقوله عليه الصلاة والسلام : " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والموتشرة والنامصة والمتنمصة " فالواصلة : التي تصل الشعر بشعر الغير ، أو التي توصل شعرها بشعر آخر زورا ; والمستوصلة : التي توصل لها ذلك بطلبها; والواشمة : التي تشم في الوجه والذراع ، وهو أن تغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق ; والمستوشمة التي يفعل بها ذلك; والواشرة التي تفلج أسنانها : أي تحددها وترقق أطرافها تفعله العجوز تتشبه بالشواب; والموشرة : التي يفعل بها بأمرها; والنامصة : التي تنتف الشعر من الوجه; والمتنمصة : التي يفعل بها ذلك .

قال : ( ويكره أن يدعو الله إلا به ) فلا يقول أسألك بفلان أو بملائكتك أو بأنبيائك ونحو ذلك لأنه لا حق للمخلوق على الخالق ( أو يقول في دعائه : أسألك بمعقد العز من عرشك ) وعن أبي يوسف أنه يجوز ، فقد جاء في الأثر : " اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك ، وباسمك الأعظم وكلماتك التامة " . ووجه الظاهر أنه يوهم تعلق عزه بالعرش ، وصفات الله تعالى جميعها قديمة بقدمه ، فكان الاحتياط في الإمساك عنه ، وما رواه خبر آحاد لا يترك به الاحتياط .

( ورد السلام فريضة على كل من سمع السلام إذا قام به بعض القوم سقط عن الباقين ، والتسليم سنة ) والرد فريضة لأن الامتناع عن الرد إهانة بالمسلم واستخفاف به وإنه حرام [ ص: 444 ] ( وثواب المسلم أكثر ) قال عليه الصلاة والسلام : " للبادي من الثواب عشرة ، وللرد واحدة " ولا يصح الرد حتى يسمعه المسلم ، لأنه إنما يكون جوابا إذا سمعه المخاطب إلا أن يكون أصم فينبغي أن يرد عليه بتحريك شفته; وكذلك تشميت العاطس ; ولو سلم على جماعة فيهم صبي فرد الصبي إن كان لا يعقل لا يصح ، وإن كان يعقل هل يصح ؟ فيه اختلاف ، ويجب على المرأة رد سلام الرجل ولا ترفع صوتها لأنه عورة ، وإن سلمت عليه; فإن كانت عجوزا رد عليها ، وإن كانت شابة رد في نفسه; وعلى هذا التفصيل تشميت الرجل المرأة وبالعكس; ولا يجب رد سلام السائل لأنه ليس للتحية بل شعار السؤال; ومن بلغ غيره سلام غائب ينبغي أن يرد عليهما . وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : " يا رسول الله إن أبي يسلم عليك . قال : عليك وعلى أبيك السلام ) ولا ينبغي أن يسلم على من يقرأ القرآن لأنه يشغله عن قراءته ، فإن سلم عليه يجب عليه الرد لأنه فرض والقراءة لا .

وذكر الرازي في أدب القضاء أن من دخل على القاضي في مجلس حكمه وسعه أن يترك السلام عليه هيبة له واحتشاما . وبهذا جرى الرسم أن الولاة والأمراء إذا دخلوا عليهم لا يسلمون . وإليه مال الخصاف ، وعلى الأمير أن يسلم ولا يترك السنة لتقليد العمل .

وإن جلس ناحية من المسجد للحكم لا يسلم على الخصوم ولا يسلمون عليه ، لأنه جلس للحكم والسلام تحية الزائرين . فينبغي أن يشتغل بما جلس لأجله كالذي يقرأ القرآن ، وإن سلموا لا يجب عليه الرد .

وعلى هذا من جلس يفقه تلامذته ويقرئهم القرآن فدخل عليه داخل فسلم وسعه أن لا يرد ، لأنه إنما جلس للتعليم لا لرد السلام .

قال : ( ويكره السلام على أهل الذمة ) لما فيه من تعظيمهم وهو مكروه ، وإذا اجتمع المسلمون والكفار يسلم عليهم وينوي المسلمين ، ولو قال : السلام على من اتبع الهدى يجوز .

( ولا بأس برد السلام على أهل الذمة ) لأن الامتناع عنه يؤذيهم والرد إحسان وإيذاؤهم مكروه والإحسان بهم مندوب ، ولا يزيد في الرد على قوله : وعليكم ، فقد قيل إنهم يقولون : السام عليكم ، فيجابون بقوله وعليكم ، وهكذا نقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه رد عليهم ، [ ص: 445 ] ولا بأس بعيادتهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأن فيه برهم وما نهينا عنه; ولو قال للذمي : أطال الله بقاءك ، إن نوى أنه يطيله ليسلم أو ليؤدي الجزية جاز لأنه دعاء بالإسلام ، وإلا لا يجوز .

( ومن دعاه السلطان أو الأمير ليسأله عن أشياء لا ينبغي أن يتكلم بغير الحق ) قال عليه الصلاة والسلام : " من تكلم عند ظالم بما يرضيه بغير حق يغير الله قلب الظالم عليه ويسلطه عليه " أما إذا خاف القتل أو تلف بعض جسده أو أن يأخذ ماله ، فحينئذ يسعه لأنه مكره .

قال : ( واستماع الملاهي حرام ) كالضرب بالقضيب والدف والمزمار وغير ذلك . قال عليه الصلاة والسلام : " استماع صوت الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها من الكفر " الحديث خرج مخرج التشديد وتغليظ الذنب ، فإن سمعه بغتة يكون معذورا ، ويجب أن يجتهد أن لا يسمعه لما روي : " أنه عليه الصلاة والسلام أدخل أصبعيه في أذنيه لئلا يسمع صوت الشبابة " وعن الحسن بن زياد : لا بأس بالدف في العرس ليشتهر ويعلن النكاح . وسئل أبو يوسف أيكره الدف في غير العرس تضربه المرأة للصبي في غير فسق ; قال لا ، فأما الذي يجيء منه الفاحش للغناء فإني أكرهه . وقال أبو يوسف : في دار يسمع منها صوت المزامير والمعازف أدخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض ، ولو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة هذا الفرض .

رجل أظهر الفسق في داره ينبغي للإمام أن يتقدم عليه ، فإن كف عنه وإلا إن شاء حبسه أو ضربه سياطا ، وإن شاء أزعجه عن داره . ومن رأى منكرا وهو ممن يرتكبه يلزمه أن ينهى عنه ، لأنه يجب عليه ترك المنكر والنهي عنه ، فإذا ترك أحدهما لا يسقط عنه الآخر; والمغني والقوال والنائحة إن أخذ المال بغير شرط يباح له ، وإن كان بشرط لا يباح لأنه أجر على معصية .

قال : ( ويكره تعشير المصحف ونقطه ) لقول ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله [ ص: 446 ] عنهم : جردوا المصاحف ، ويروى : جردوا القرآن ، والنقط والتعشير ليس من القرآن فيكون منهيا عنه . قال : ( ولا بأس بتحليته ) لأنه تعظيم له .

( ولا بأس بنقش المسجد ) وقيل هو قربة حسنة ، وقيل مكروه والأول أصح لأنه تعظيم له . وأما التجصيص فحسن لأنه إحكام للبناء ، ويكره للزينة على المحراب لما فيه من شغل قلب المصلي بالنظر إليه ، إذا جعل البياض فوق السواد أو بالعكس للنقش لا بأس به إذا فعله من مال نفسه ولا يستحسن من مال الوقف لأنه تضييع ، وتكره الخياطة وكل عمل من أعمال الدنيا في المسجد لأنه ما بني لذلك ولا وقف له ، قال تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) والجلوس فيه ثلاثة أيام للتعزية مكروه ، وقد رخص ذلك في غير المسجد ، ولو جلس للعلم أو الناسخ يكتب في المسجد لا بأس به إن كان حسبة ، ويكره بالأجر إلا عند الضرورة بأن لا يجد مكانا آخر وكانوا يكرهون غلق باب المسجد ولا بأس به في زماننا في غير أوقات الصلاة لفساد أهل الزمان فإنه لا يؤمن على متاع المسجد .

قال : ( ولا بأس بدخول الذمي المسجد الحرام أو غيره من المساجد ) لما روي : " أنه صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا كفارا وقال : ليس على الأرض من نجسهم شيء " وتأويل الآية أنهم لا يدخلون مستولين أو طائفين عراة كما كانت عادتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية