صفحة جزء
[ ص: 516 ] فصل

كتاب الديات

الدية المغلظة خمس وعشرون بنت مخاض ومثلها بنت لبون وحقاق وجذاع ( م ) ، وغير المغلظة عشرون ابن مخاض ومثلها بنات مخاض وبنات لبون وحقاق وجذاع ، أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم ، ولا تجب الدية من شيء آخر ( سم ) ، ودية المرأة نصف ذلك ، ولا تغليظ إلا في الإبل ، ودية المسلم والذمي سواء .


[ ص: 516 ] كتاب الديات

الدية ما يؤدى ، ولما كان القتل يوجب مالا يدفع إلى الأولياء سمي دية ، وإنما خص بما يؤدى بدل النفس دون غيرها من المتلفات ; لأن الاسم يشتق للتعريف بالتخصيص ولا يطردونه ، ووجوب الدية في القتل لحكمة بالغة ، وهي صون بنيان الآدمي عن الهدم ودمه عن الهدر ، وجبت بالكتاب والسنة ، وهو قوله - تعالى - : ( ودية مسلمة إلى أهله ) ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " أي تجب بسبب قتل النفس المؤمنة مائة من الإبل .

قال : ( الدية المغلظة خمس وعشرون بنت مخاض ومثلها بنت لبون وحقاق وجذاع ) ، وقال محمد : ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عام كلها خلفات في بطونها أولادها لما روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال في حجة الوداع : " ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ، وفيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها " ، ودية شبه العمد أغلظ فتجب كما قلنا . ولهما قوله - عليه الصلاة والسلام - : " في النفس مائة من الإبل " ، [ ص: 517 ] وروى الزهري أن الدية كانت على عهد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أرباعا ، ومعلوم أنه لا يراد به الخطأ ، فبقي المراد شبه العمد ، ولو أوجبنا الحوامل وجب الزيادة على المائة . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن التغليظ أرباع كما قلنا ولا يعرف ذلك إلا سماعا فكان معارضا لما روي ، ولأن الصحابة اختلفوا في صفة التغليظ ، ولو كان ما رويناه ثابتا لارتفع خصوصا وقد ورد على زعمكم في حجة الوداع مع تكاثر المسلمين فكان يشتهر ، ولو اشتهر لاحتج به البعض على البعض ، ولو احتج لارتفع الخلاف ، ولما لم يرتفع دل على عدم ثبوته ولأنه لا يجوز إيجاب الحامل فإنه لا يعلم الحمل حقيقة فيكون تكليف ما ليس في الوسع .

قال : ( وغير المغلظة عشرون ابن مخاض ومثلها بنات مخاض وبنات لبون وحقاق وجذاع ) فهي أخماس من كل صنف عشرون هكذا قاله ابن مسعود . وروي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قضى في قتيل قتل خطأ بمائة من الإبل أخماسا كما قلنا ، ولأن الخطأ أخف فناسب التخفيف في موجبه وذلك بما ذكرنا .

قال : ( أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ) كل عشرة وزن سبعة مثاقيل لما روى مرار بن حارثة قال : " قطعت يد على عهد رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - فقضى على القاطع بخمسة آلاف درهم " ، وعن عمر - رضي الله عنه - أنه قضى في الدية بعشرة آلاف درهم ومن الدنانير بألف دينار ، وروي : " أنه - عليه الصلاة والسلام - قضى في قتيل بعشرة آلاف درهم " ، وما روي أنه قضى باثني عشر ألف .

قال محمد بن الحسن : كان وزن ستة فيحمل عليه توفيقا .

( ولا تجب الدية من شيء آخر ) وقالا : تجب من البقر مائتا بقرة ومن الغنم ألفا شاة ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان إزار ورداء ، لما روى عبيدة السلماني أن عمر - رضي الله عنه - [ ص: 518 ] قضى في الدية بعشرة آلاف درهم ، ومن الدنانير بألف دينار ، ومن الإبل بمائة ، ومن البقر بمائتي بقرة ، ومن الغنم بألفي شاة ، ومن الحلل بمائتي حلة ، ومراده أنه قدر الدية بهذه المقادير ; لأن القضاء لم يقع في وقت واحد بجميع هذه الأجناس .

ولأبي حنيفة - رحمه الله - قوله - عليه الصلاة والسلام - : " في النفس مائة من الإبل " ، وقضيته أن لا يجب ما سواها إلا ما دل الدليل عليه ، وإنما دل على الذهب والفضة هو ما تقدم من قضائه - عليه الصلاة والسلام - .

ومن أصحابنا من روى عن أبي حنيفة مثل قولهما ، فإنه قال : إذا صالح الولي على أكثر من مائتي بقرة أو مائتي حلة لم يجز ، وهذا آية التقدير .

قال : ( ودية المرأة نصف ذلك ) هكذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت كذلك أيضا ولأنها في الميراث ، والشهادة على النصف من الرجل فكذلك الدية .

قال : ( ولا تغليظ إلا في الإبل ) ; لأنه لم يرد النص بالتغليظ إلا فيها ولا يعرف ذلك إلا نصا .

قال : ( ودية المسلم والذمي سواء ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار " .

وقال الزهري : قضى أبو بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم - في دية الذمي بمثل دية المسلم . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " إذا قبلوها فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما [ ص: 519 ] على المسلمين " ، وللمسلمين إذا قتل قتيلهم ألف دينار فيكون لهم كذلك ، وكذلك دية المستأمن لما روى ابن عباس أن مستأمنين جاءا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكساهما وحملهما وخرجا من عنده ، فلقيهما عمرو بن أمية الضمري فقتلهما ولم يعلم بأمانهما ، فوداهما رسول الله - عليه الصلاة والسلام - بديتي حرين مسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية