صفحة جزء
فرع

قال : إذا استهلك الطعام أو الإدام فعليه مثله بموضع غصبه ، فإن لم يوجد هناك مثل لزمه أن يأتيه بمثله إلا أن يصطلحا على أمر جائز ، فإن لقيه بغير البلد لم يقض عليه بمثل ولا قيمة ، إنما عليه المثل بموضع الغصب ; لأنه مثلي ، والمواضع تختلف ، وعليه القيمة في العروض والرقيق والحيوان بالموضع وغيره ، نقصت القيمة بغير البلد أو زادت ، قال صاحب المقدمات : اختلف في نقل المغصوب من بلد إلى بلد على ثلاثة أقوال : أحدها : ذلك فوت ، وتخير بين أخذ متاعك وتضمينه قيمته يوم الغصب ، قاله أشهب ، وليس بفوت ، وليس لك إلا متاعك ، قاله سحنون ; لأن اختلاف البلدان كاختلاف الأسواق ليست بفوت ، والفرق بين العروض فتفوت ويخير بين أخذها أو يضمنه القيمة يوم الغصب في البلد الذي غصبها فيه ، وفي الحيوان المستغنى عن الكراء عليه كالدواب ، ووخش الرقيق - ليس بفوت ، فليس لك إلا أخذه ، وأما المحتاج إلى الكراء من الرقيق فكالعروض ، وفيهما ثلاثة أقوال : قولان متضادان ، وتفرقة . فأما الطعام فثلاثة أقوال : أحدها : ليس لك إلا [ ص: 309 ] مثل طعامك في بلد الغصب ، وثانيها : يخير بين أخذه وتضمينه مثله في بلد الغصب ، أو القريب ، فيخير بين أخذه أو يضمنه مثله في بلد الغصب ، وقال ( ح ) : إن وجد أحد النقدين في غير البلد فله أخذه دون قيمته ، وإن اختلف صرفها ، حملا لها على الغالب ; لأن الغالب في النقدين عدم الاختلاف ، وغير النقدين إن استوت القيمة أو زادت فكذلك ; لأنه لا ضرر عليه حينئذ . أو نقصت خير بين قيمته ببلد الغصب نفيا لظلامة تنقص القيمة ، وبين أخذها ; لأنه ماله أو ينتظر أخذها ببلد الغصب ، بخلاف نقص قيمتها في بلد الغصب ; لأن النقص لم يتبين عن فعل الغاصب ، وهاهنا تنشأ عن فعله ، وإن هلك المغصوب وقيمته هاهنا أقل ، فلك أخذ المثل في المثليات ، أو قيمته ببلد الغصب ، أو تنتظر أخذه ببلد الغصب نفيا لظلامة النقص ، أو زادت القيمة خير الغاصب بين دفع المثل في المثلي أو القيمة هاهنا في المقوم ; لأنها زيادة نشأت عن فعله فهي ماله ، وإن استوت فلك المطالبة لعدم الضرر عليكما ، وقال ابن حنبل : إن كان أحد النقدين أخذه ، أو مثليا واستوت القيمة أو نقصت رد مثله ، نفيا لظلامة النقص ومؤنة الحمل ، أو زادت والمؤنة خفيفة فكذلك رد المثلي من غير ضرر ، أو مؤنة كثيرة فلا ، لضرر المؤنة في نقله إلى بلد لا يستحق تسليمه فيه ، ويخير المغصوب منه بين الصبر إلى أخذه ببلده وبين القيمة الآن في بلد الغصب لتعذر رده ورد مثله ، وقال ( ش ) : أما المثلي فإن وجده في غير البلد خير بين أخذه وبين إلزامه رده إلى بلد الغصب ; لأنه عين ماله . ولا يلزمه حمله ( إلى بلد الغصب ) فترده للغاصب ، ( وله إلزامه القيمة هاهنا للحيلولة ، فإذا رده الغاصب ردت القيمة ، ولو تلف في البلد المنقول إليه [ ص: 310 ] لك طلبه بالمثل حيث ظفرت به ، وإن فقد المثل غرمته أكثر قيمة البلدين ، فإن تلف ببلد الغصب ) فلك المطالبة في البلد الثاني بالمؤنة ; لنقله كالدراهم والدنانير وإلا فلا ، بل لك القيمة ببلد التلف . ولو أتلفه الماء في مفازة فلقيه على شاطئ النيل أو الحل في الصيف فلقيته في الشتاء فليس لك إلا القيمة ، وأما القيمي : فلك أخذه حيث وجدته . هذا كله كلام الشافعي ، قال التونسي : الأحسن في الرقيق والحيوان أن يأخذه ، لأنها تمشي بخلاف العروض والأحسن أيضا من الأقوال : قول ابن القاسم في المثليات أن لا يأخذه ، بل مثله ببلد الغصب ; لأن مثل الطعام يقوم مقامه ، فلا يظلم الغاصب متى قدر على غرم المثل ، كما لو غصب قمحا فطحنه فأعدل الأقوال : يرد مثل القمح دون الدقيق ، وقال أصبغ : إن كان قريبا فلربه أخذه ، وإلا فلا ; لأنه لا ضرر على الغاصب في مؤنة ما حمله به للقريب ، وإذا أعطى مثل ما تعدى عليه في غير البلد جاز ، وإن أعطاه من غير صفته طعاما لم يجز ، كمن أعطى تمرا من قمح قبل الأجل من قرض ، قال اللخمي : إذا لقيه بغير بلد الغصب ، وأراد إغرامه المثل أو القيمة ، فليس ذلك له عند ابن القاسم ، بل يصير إلى بلد الغصب فيغرم هناك ، وله ذلك عند أشهب في المثلي والقيمة إن استوى سعر البلدين ، أو هو هاهنا أرخص ; لأنه لا ضرر على الغاصب ، وله أن يغرمه قيمته الآن بالبلد ، أو تعذر وجود المثل ، ويرجى وجوده بعد ، والأحسن أن يكون ذلك في المسألتين جميعا ; لأنه لا ضرر على الغاصب ، وللمغصوب منه مقال في استعجال حقه هذا إذا استهلكه ، أما إذا وجده مع [ ص: 311 ] الغاصب فالخلاف مشهور ، قال : وأرى أن يأخذ المثلي في ثلاثة مواضع : إذا كان الغاصب مستغرق الذمة ; لأنه إن ترك متاعه حلالا أخذه حراما ، وإذا استوى سعر البلدين ، أو هو هاهنا أرخص لعدم الضرر على الغاصب ، وله غرض في أخذ عين ماله ، وإذا قال : أنا أدفع الكراء أو ما زاد سوقه الأقل منهما لاندفاع ضرر الغاصب بذلك ، قال : والذي أراه في الجميع أن العبد والدابة وما يصل بنفسه ، أو حمولته خفيفة كالثوب ونحوه فيأخذه ، وإن كره الغاصب ; لأنه عين ماله ، وللغاصب أن يجبره على قبوله ، وإن كره لتبرأ ذمته إذا كان الطريق التي نقل منه مأمونا ، وإلا لم يجبر على قبوله ، وضمنه القيمة ، وإن كثرت مؤنة نقله ، وأحب الغاصب تسليمه فلك عدم القبول ; لأنك قد يكون غرضك أن يكون مالك ببلدك ، إلا أن يقول الغاصب : أنا أرده والطريق آمن ، فإن أحببت أخذه وامتنع الغاصب لأجل ما يتكلفه من الأجرة فذلك له على قول ابن القاسم ، فإن دفعت الأجرة سقط مقاله ، وليس عليه - على قول أشهب - شيء للحمل ، وإن كان قد زاد في الثمن كالسقي والعلاج على أحد القولين ; لأنه لا يغرم له شيئا ، وإن زاد في الثمن كالجص والتزويق ، فالمعروف من المذهب أن ليس عليه أن يرده إلى مكان الغصب ، وقيل : ذلك لك .

فرع : مرتب

في الجواهر : حيث حكم للمغصوب منه بالمثل في بلد الغصب ، إما لزوما أو اختيارا على الخلاف ، فلا يدفع الطعام المنقول إلى الغاصب حتى يتوثق منه ; لأن أقل أحوال عين ماله أن يكون كالرهن ، قال أشهب : يحال بينه وبينه ، حتى يوفي ما عليه .

تمهيد :

هذه المسألة - وهي نقل المغصوب - قد تشعبت فيها المذاهب ، واضطربت [ ص: 312 ] الآراء وتباينت كما ترى ، بناء على ملاحظة أصول وقواعد : أحدها : أن الغاصب لا ينبغي أن يغرم كلفة النقل ; لأن ماله معصوم كمال المغصوب منه ، وهذا الأصل لاحظه ابن القاسم فيما إذا وجد المثلي بغير البلد ، كما نقله صاحب الجواهر فيقول : لا تأخذ هذا المغصوب ; لأن حمله بأجرة ولا مثله هاهنا ، إذ لا فرق ، ولا القيمة لأنه مثلي ، فيتعين المثل ببلد الغصب ، وأشهب اطرح هذا الأصل ، وخيره بين أخذه أو مثله لمكان الغصب ، كما نقله في الجواهر : أما أخذه : فلأنه متاعه ، وأما مثله ببلد الغصب ، فلأنه قد يأخذ هذا فيحتاج له كلفة ، فلاحظ مصلحة المستحق دون الغاصب ، وتفرقة أصبغ بين القريب والبعيد لملاحظة الشائبتين فيحصل لها ثلاثة أصول : ملاحظة مصلحة الغاصب ، أو مصلحة المستحق ، أو يلغى ما خف دون ما عظم ، قال في الجواهر : وأما الحيوان فيأخذه حيث وجده ، فجعل هذا المذهب من غير تفصيل ، بناء على الأصل الأول ، وهو ظلامة الغاصب ; لأنها منفية هاهنا ، وعلى أصل رابع ، وهو تعلق الحق بعين المال بحسب الإمكان ، وهو مبني ( ش ) مع أصل آخر يأتي ، قال : وأما البز والعروض فيخير بين أخذه بناء على الأصل ( الرابع ، وأخذ قيمته في موضع الغصب أو السرقة بناء على أصل ) خامس ، وهو أن القيمة قد تزيد أو تنقص ، فوجب سقوط القيمة باعتبار هذه البلدة ، واعتبرنا القيمة ببلد الغصب وله على القيمة أخذ البز والعروض بغير البلد ، بخلاف المثلي ، والفرق بأصل سادس ، وهو : أن المثلي ، لا غرض في خصوصه ، وكل مثل يقوم مقامه مثله ، وهذه المختلفات تتعلق الأغراض بخصوصها ، ويقع الفرق بينها وبين الحيوان ، أن الحيوان يمشي بنفسه فلا كلفة على المستحق في رده بخلاف العروض ، وهو الأصل السابع ، وهاهنا أيضا أصل ثامن ، وهو أن النقل يوجب اختلاف القيم ، فهل هو كتغيير الصفات الموجبة لاختلاف القيم ، واختلاف الصفات يوجب التخيير للمستحق ، فكذلك اختلاف البقاع ، أو ليس كذلك ؟ واختلاف كحوالة الأسواق ، فيتعين أخذ العرض [ ص: 313 ] من غير تخيير ، ولا يجعل ذلك فوتا إلا إذا انضاف إليه مؤنة الحمل ، فيكون ذلك كفعل فعله الغاصب في العين فغيرها ، وعليه يتخرج القول بالتخيير في العروض دون الحيوان ، وأصل تاسع ، وهو مطالبة الغاصب بأعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم الحكم ، وهذا الأصل الآخر الذي ينبني عليه مذهب ( ش ) ، وأصل عاشر ، وهو أن النقدين هل يملك خصوصهما ويتعينان ، وهو مذهب ( ش ) ، وابن حنبل ، وغيرهما ، فيكون له أخذ عين النقد ، وليس للغاصب أن يعطيه غيره قياسا لهما على سائر المثليات ، أو لا يملك خصوصهما ولا يتعينان ، وللغاصب أن يعطي غيرهما ما لم يختص أحدهما بمزية ، وهو مشهورنا والفرق بينهما وبين المثليات : أنهما وسائل والمثليات مقاصد ، تبذل فيها الأعراض ، وهي مناط الأغراض ، وأما النقدان : فلا يتعلق بهما إلا التوسل للمقاصد ; فلا يلزم من اعتبار خصوصيات المقاصد اعتبار خصوصيات الوسائل ، فهذه عشرة أصول وقواعد بني عليها فقه هذه المسألة ، فإذا أحطت بها علما خرجت كل ما فيها من الخلاف عليها . فرع

في الكتاب : يرد الغاصب ما حدث عنده من ثمرة أو نسل أو صوف أو لبن ، فإن أكله فمثله أو قيمته في غير المثلي ، ولا نفقة له عليك في سقي أو رعي أو غيره ، لكن يقاص بذلك فيما بين يديه من غلة ، فإن عجزت لم يرجع عليك ، فإن ماتت الأمهات وبقي الولد أو الصوف أو اللبن خيرت في قيمة الأمهات ، ولا شيء لك فيما بقي من ولد أو غيره ، ولا ثمنه إن بيع ، أو تأخذ الولد وثمن ما بيع من صوف ولبن ونحوه ، وما أكل أو انتفع به من ذلك فعليه المثل ، أو القيمة في غير المثلي ، ولا شيء عليه من قبل الأمهات ; لأنه لو باع الأمة فولدت عند المبتاع ، ثم ماتت فليس لك الولد وقيمة الأم ، وإنما لك الثمن على الغاصب أو قيمتها يوم الغصب ، والولد من المبتاع ، ولا [ ص: 314 ] شيء لك على الغاصب من قيمة الأم ، ولكن للمبتاع الرجوع على الغاصب بالثمن ، ولا يجتمع على الغاصب ثمن وقيمة . وعليه كراء ما سكن وزرع ، أو اغتل من ربع أو أرض ، ويغرم ما أكراها به من غيره ، ما لم يحاب ، وإن لم يسكن ولا انتفع ولا اغتل فلا شيء عليه ، وما اغتصب أو سرق من دواب أو رقيق فاستعملها شهرا وطال مكثها بيده ، أو أكراها وقبض كراءها فلا شيء عليه في ذلك ، وله ما قبض من كراء ، وليس على الغاصب كراء ما ركب بخلاف ما سكن من الربع أو زرع ; لأنه أنفق على ذلك وهو لو أنفق على الصغير من رقيق أو حيوان حتى كبر فلك أخذه بزيادة ، ولا شيء له مما أنفق أو علف أو كسا ، ولو كان ذلك ربعا أحدث فيه عملا كان له ما أحدث فافترقا ، قال في النكت : إنما فرق بين الأصواف والألبان يردها ، وبين غلة العبد والدابة ; لأن غلتهما متكونة بسببه وفعله ، والصوف ونحوه تحدث بأنفسها ، ولأن الصوف ونحوه متولد عن الأعيان ، فلها حكمها ، وإنما فرق بين الربع والحيوان على أحد قوليه ; لأن الرباع مأمونة ، فلا ضمان غالبا ، ولا غلة له ، وقال ( ش ) : يرد سمن الشاة ولبنها وصوفها . قال صاحب المقدمات : الغلة في كون حكمها حكم المغصوب أم لا قولان : والثاني لأشهب : فعليه تلزمه قيمتها يوم قبضها أو أكثر ما انتهت إليه القيمة على الاختلاف في الشيء المغصوب ، والقائلون بأن حكمها حكمه أجمعوا إن تلفت ببينة فلا ضمان ، فإن ادعى تلفها لم يصدق ، كانت يغاب عليها أم لا .

وضبط الخلاف في الغلة : أنها ثلاثة أقسام : متولدة عن المغصوب على خلقته كالولد ، وعلى غير خلقته كالصوف ، وعلى غير خلقته كالأجرة ، فالأول : يرده اتفاقا مع الأمهات ، فإن ماتت يخير بين قيمة الأم والولد ، والثاني : في رده قولان ، وعلى الرد إن تلف المغصوب خيرت بين تضمينه القيمة ولا شيء لك في رد الغلة ، أو تأخذه بالغلة دون القيمة ، والثالث : فيه خمسة أقوال : للغاصب لك الفرق بين أن يكري في ذلك أو ينتفع أو يعطل فلا شيء لك ، والفرق بين أن يكري أو ينتفع فيرد وبين التعطيل فلا يرد ، والفرق بين الحيوان والأصول . وهذا كله فيما اغتل من العين مع [ ص: 315 ] بقائها أما بتصريفها وتحويل عينها كالدنانير فيتجر فيها ، والحب يزرعه فالغلة له قولا واحدا في المذهب ، وأما إن لم يقصد الرقبة ، بل المنفعة ضمن الغلة التي قصد غصبها أكرى أو انتفع أو عطل ، وفي الجواهر : عن ابن القاسم : يضمن غلة الإبل والغنم دون العبيد والدواب . وقال القاضي أبو بكر : الصحيح أن المنافع مال مضمون ، تلف تحت اليد العادية أو أتلفها المتعدي ، فأما منفعة البضع فلا تضمن إلا بالتفويت ، ففي الحرة صداق المثل ، وفي الأمة ما نقصها ، وكذلك منفعة بدن الحر ما لا تضمن إلا بالتفويت ، قال صاحب المقدمات : الخلاف المشهور في الخراج والاستخدام ، وأما المتولد عن الشيء كاللبن والصوف والثمرة : فالمنصوص الرد إن كان قائما أو الملكية والخرص إن كان فائتا ، وروى ابن المعدل عن مالك : أن المتولد لا يرد أيضا ولم أر هذه الرواية في كتاب ، وإنما أخبرني بها بعض أصحابنا ، ولا خلاف في الضمان بشبهة أن الغلة له ، وإنما الخلاف في غير الشبهة ، قال التونسي : لا يصدق في دعوى ضياع الغلة ; لأنه غير مأمون فإن ظهر هلاكها أخذت الرقبة لم يضمنها ; لأنها غير مغصوبة ، ولو أكل الغاصب الولد غرم قيمته يوم أفاته إذا أخذت الأمهات ، وإن غرم قيمة الأمهات فلا شيء عليه فيما أكل من ولد أو غلة ; لتولده عما غرم قيمته يوم الغصب ، وهذا هو القياس أن لا يضمن الإنسان ملكه ، وعند أشهب : للغلة والولد حكم المغصوب يوم ولد ، ويوم أخذت الغلة ، وعنده لو أغرمه قيمة الأمهات لفواتها لا يغرمه قيمة الولد إن مات ، وإن كان قائما أخذه مع قيمة الأم ، وهل عليه السقي والعلاج الذي تنشأ عنه الغلات ؟ قال ابن القاسم : ذلك عليك ما لم يتجاوز الثمرة . وقال عبد الملك : لا شيء عليك ; لأنه ليس له عين قائمة فهو كخياطة الغاصب الثوب ، ووجه الأول : كأن الثمرة هي السقي ، فكأنه باعها فهو أحق بها في الفلس ، وأسوة الغرماء في الموت . وكذلك اللبن والصوف ، وعلى قول عبد الملك فهو مطرد في الشفيع والمستحق ، ولو اشترى دارا فجصصها أو بيضها ، أو صغيرا فأنفق عليه حتى كبر فلا شيء ، لعدم عين قائمة .

[ ص: 316 ] فرع مرتب

على الخلاف في رد الغلة . وفي الموازية : إذا حضن الدجاجة من بيض غيرها أن عليك ما نقصت ، وكراء حضانتها . وقال : فيه نظر ; لأن النقص بسبب الحضانة ، وقد أغرمته النقص ، فكيف لك الكراء ؟ ! وقال : إذا حضنها من بيضها فهو مثل ولادتها ، ولك أخذ الجميع ، وإن حضن بيضها تحت غيرها لم يكن لك إلا مثل البيض كالقمح يزرع ، وقيل : تأخذ الفراخ كما إذا حضنتها . فرع مرتب

على الخلاف في رد العلاج . وقال ابن يونس : قال ابن القاسم أيضا : لا شيء في السقي والعلاج ; لأنه ليس له عين قائمة لا يقدر على أخذه ، ولا قيمة له بعد القلع ، كما لو غصب مركبا خرابا فقلفطه وزفته وكمل آلته ، ثم اغتله فلك أخذه ، ولا شيء عليك فيما أنفق إلا مثل الصاري والحبل ، وما يتحقق له ثمن فللغاصب أخذه ، وإن كان بموضع لا يستغنى عنه ، إما لعدم غيره ، أو للمشقة العظيمة ، خيرت بين قيمته بموضعه كيف كان أو تسلمه له .

فرع : آخر مرتب

قال : إذا سقى وعالج بشبهة كالمشتري والموهوب فعليك - عند ابن القاسم - قيمة ذلك ، ومنع عبد الملك .

فرع : آخر مرتب

قال اللخمي : إذا قلنا : يرد الغلة فغصب خرابا فأصلحه فهل يرد جميع الغلى ؟ قاله محمد ، أو ما ينوب الأصل قبل الإصلاح ، قاله أشهب ، والقولان في الدار الخراب التي لا تسكن . والمركب الخرب ، ولم يختلفوا إذا بنى الأرض ، ثم سكن أو استغل أنه لا يغرم سوى غلة القاعة ، وفي الجواهر : إذا أصلح الخراب [ ص: 317 ] وسكن واغتل غلة كثيرة فلك أخذها مصلحة ، وأخذ غلتها وكراء ما سكن ، وليس عليك مما أصلح شيء إلا قيمة ما لو نزعه كان له قيمة ، قاله محمد .

فرع : آخر مرتب

قال : إذا قلنا : يرد الغلة إذا غصب دراهم أو دنانير فربح فيها ، فثلاثة أقوال : قال مالك وابن القاسم : لا شيء لك إلا رأس المال لتقرر الضمان عليه بالتصرف ، استنفقها أو تجر فيها ، وعن ابن حبيب : إن تجر فيها موسرا فله الربح لقبول ذمته للضمان ، أو معسرا فلك ، لعدم قبولها في الولي يتجر في مال يتيمه ، وعن ابن سحنون : لك ما كنت تتجر فيها أن لو كانت في يديك ، قال : وأستحسن أن تقسم المسألة أربعة أقسام : إن كنت لا تتجر فيها لو كانت في يديك ، ولم يتجر فيها الغاصب ، بل قضاها في دين أو أنفقها فرأس المال لعدم تعيين تضييع ربح عليك ، وإن كنت تتجر فيها ولم يتجر الغاصب فلك ما كنت تربحه في تلك المدة ; لأنه حرمك إياه ، كما إذا أغلق الدار إلا أن يعلم أن التجارة في تلك المدة كانت غير مربحة ، وإن كانت لا تتجر فيها وتجر فيها الغاصب وهو موسر بغيرها ولم يعامل لأجلها ، فالربح له لتقررها في ذمته بالتصرف ، وإن كان فقيرا عومل لأجلها ، فالربح لك لقوة شبهة تحصيل ملك للربح كالولد في الحيوان ، وإن كنت تتجر فيها - وهو فقير - فعليه الأكثر مما ربح ، أو ما كنت تربحه .

فرع : آخر مرتب

قال صاحب الخصال : إذا قلنا : يرد أجر العقار فحابى في كراء الأرض أو الدار ، فعليه المحاباة مع الكراء .

تنبيه : قد تقدم نقل المقدمات في النقدين ، وأن الربح له اتفاقا ، وهذا الخلاف [ ص: 318 ] يأبى ذلك الاتفاق ، وقال ابن حنبل : إذا غصب ذهبا فتجر فيه أو عرضا فباعه وتجر بثمنه ، فذلك للمالك والمشترى من السلع له أيضا ، والأرباح له ، وقال ( ش ) و ( ح ) : الربح للغاصب . تنبيه : قول صاحب الشرع والعلماء : ( الخراج بالضمان ) ليس على ظاهره ، فإن ظاهره يقتضي أن الغاصب وغيره يأخذ الغلة بسبب أنه ضمن ، وليس كذلك ، فإن العين إذا لم تتغير ردها وبرئ من ضمانها ، ومع ذلك فله الغلة ، والعين لا تضمن إلا إذا هلكت أو تغيرت وإلا فلا ، ومعنى قولنا : المتعدي ضامن ، أي على تقدير التغير ، وإلا فلا ضمان ، وهذا التقرير هو أحد أسباب الخلاف ، فإنه لما كان توقع الضمان في العقار أبعد ، لم تكن الغلة للغاصب لضعف السبب ، أو يلاحظ أن الغلة مغصوبة فيضمن كما يضمن الأصل بناء أن الغصب وضع اليد العادية على مال الغير ، أو ليست مغصوبة بناء على أن الغصب فعل ، والغاصب لم يوجد منه فعل فلا يضمن . وقاله ( ح ) خلافا ل ( ش ) ، وابن حنبل ، ولظاهر قوله - عليه السلام - : ( الخراج بالضمان ) وفيه النظر لقاعدة أخرى أصولية ، وهي : أن اللفظ عام ، بالألف واللام فهل يلاحظ عموم اللفظ أو يلاحظ خصوص السبب ؟ وهو إنما ورد في المشتري للعبد فوجده معيبا فرده فطلب البائع خراج عبده فقال - عليه السلام - ذلك ، فعلى هذا يختص استحقاق الخراج بالضمان بشبهة بخلاف العدوان الصرف . لا ينبغي أن يكون سبب الملك ، ويعضده قوله - عليه السلام - : ( ليس لعرق ظالم حق ) وعرق الظالم ما يحدثه في المغصوب ، أو يلاحظ الفروق المتقدمة ، فهذه مدارك هذه المسألة .

[ ص: 319 ] نظائر : قال ابن يونس : الغلة للمشتري في خمسة مواضع : الاستحقاق ، والبيع الفاسد ، والرد بالعيب ، والفلس ، والأخذ بالشفعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية