صفحة جزء
[ ص: 44 ] [ ص: 45 ] بسم الله الرحمن الرحيم ، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد

كتاب الأيمان

والنظر في الحالف ، والمحلوف عليه ، والحلف ، وحكمه ، والنكول ، فهذه خمسة أنظار .

النظر الأول : الحالف

وفي الجواهر : هو كل من توجهت عليه دعوى صحيحة فصحت احترازا من المجهولة أو غير المحررة ، ومشتبهة احترازا من التي يكذبها العرف . وقد تقدم أن الدعوى ثلاثة أقسام : ما يكذبها . وما يشهد أنها غير مشبهة ، وما يشهد بأنها مشبهة كدعوى سلعة معينة بيد رجل ، أو دعوى غريب وديعة عند جاره ، أو مسافر أنه أودع أحد رفقته ، وكدعوى على الصانع المنتصب أنه دفع إليه متاعا ليصبغه ، وعلى أهل السوق المنتصبين للبيع أنه اشترى منه ، أو يوصي في مرض موته أن له دينا عند رجل فينكر ، فهذه الدعاوي مسموعة ، ويشرع فيها التحليف بغير خلطة ، والتي شهد العرف بأنها غير مشبهة كدعوى دين ليس مما تقدم ، فلا يستحلف إلا بإثبات خلطة ، قال ابن القاسم : وهي أن يسالفه ويبايعه مرارا وأن يتقابضا في ذلك الثمن أو السلعة ، وتفاصلا قبل التفرق ، وقال سحنون : لا بد في البيع والشراء من المتداعيين ، وقال الشيخ أبو بكر : هي أن تكون الدعوى عليه يشبه أن يدعى لمثلها على المدعى عليه ، وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ ، وقال القاضي أبو الحسن : أن يكون المدعى عليه يشبه : فهذه أربعة أقوال ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يحلف على كل تقدير .

[ ص: 46 ] لنا : ما رواه سحنون : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة ) وزيادة العدل مقبولة ، وقال علي رضي الله عنه : لا يعدي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة . ولم يرو له مخالف فكان إجماعا ، ولعمل المدينة ، ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الحكام بالتحليف . وذلك شاق على ذوي الهيئات ، وربما التزموا ما لم يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف ، كما فعل عثمان - رضي الله عنه - ، وقد تصادفه عقيب الحلف مصيبة ، فيقال : بسبب الحلف ، فيتعين حسم الباب إلا عند قيام مرجح ، لأن صيانة الأعراض واجبة .

احتجوا : بالحديث السابق بدون زيادة ولم يفرق ، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( شاهداك أو يمينه ) ولم يذكر مخالطة ، ولأن الحقوق قد ثبتت بدون الخلطة ، فاشتراط الخلطة يؤدي لضياع الحقوق ، وتختل حكمة الحكام .

والجواب عن الأول : أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ومن عليه اليمين ، لا بيان حال من تتوجه عليه ، والقاعدة : أن اللفظ إذا ورد لمعنى ، لا يحتج به في غيره ، فإن المتكلم معرض عن ذلك الغير ، ولهذه القاعدة قلنا : في الرد على ( ح ) في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيما سقت السماء العشر ) إن مقصود هذا الحديث بيان الجزء الواجب . لا ما تجب فيه الزكاة ، وعن الثاني : أن مقصوده بيان الحصر وبيان ما تختم به منهما لا بيان شرط ذلك ، ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة

[ ص: 47 ] وغيرها ، ويقول : هو مطلق فيحمل على المقيد الذي رويناه . وعن الثالث : أنه معارض لأن ما ذكر ثم يؤدي إلى أن يدعي أدنى السفهاء السفلة على الخليفة أو القضاة أو أعيان العلماء أنه استأجرهم لكنس كنيفه ، أو غصبوه قلنسوة ، ونحو ذلك مما يقطع بكذبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية