صفحة جزء
الركن الرابع : المنفعة ، ولها ثمانية شروط : أن تكون مباحة ، جائزة الدفع للعبد ، متقومة ، مملوكة ، غير متضمنة استيفاء عين بالأصالة ، مقدورا على تسليمها ، حاصلة للمستأجر ، معلومة . فتذكر هذه الشروط بمداركها وفروعها مبسوطة - إن شاء الله تعالى - .

الشرط الأول : الإباحة احترازا من الغناء وآلات الطرب ونحوهما ; لأن ثبوت الملك على العوض فرع ثبوته على المعوض ; ولقوله - عليه السلام - : " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " ، ولقوله - عليه السلام - : " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها " ، قال سند في كتاب الصرف : بيع أواني الذهب جائز إذا اشتراها لبيعها من الذمة أو ممن يتجر فيها كثياب الحرير المخيطة للرجال ، أو ليدخرها للزمان لتباع عند الحاجة من غير انتفاع ; لأن النهي إنما ورد في الانتفاع ، والاستصناع يتخرج على هذا التفصيل ، وفي الجواهر : قال ابن الجلاب وعبد الوهاب : اقتناؤها من غير استعمال محرم ، قال أبو الوليد : لو لم يجز اتخاذها لفسخ بيعها ، وقد أجازه في الكتاب : قال ابن شاس : هذا غير صحيح ; لأن تملكها يجوز إجماعا بخلاف اتخاذها ، بل فائدة الخلاف في منع الإجارة عليها وعدم الضمان على متلفها من غير جوهرها ، فالمخالف يجيز الإجارة ويوجب الضمان ، وفي الكتاب : يكره للأعزب إجارة الحرة ليس بينه وبينها محرم ، أو أمة يخلو معها أو يزاملها في المحمل ، قال اللخمي : يحرم في الأعزب كان مأمونا أم لا ; لقوله - عليه السلام - : " لا يخلو رجل بامرأة [ ص: 397 ] ليس بينه وبينها محرم " ويجوز في المأمون ذي الأهل ، وتمتنع في غير المأمون ذي الأهل ، إلا أن تكون متجالة لا رغبة للرجال فيها ، أو شابة وهو شيخ فان .

فرع

قال اللخمي : إجارة الحمامات للرجال جائزة إذا كانوا يدخلون مستترين ، وللنساء إذا كن يستترن في جميع أجسادهن ، وممنوعة إذا كن يتركن السترة جملة ، ومختلف فيها إذا كن يدخلن بالمئزر بناء على أن المرأة بالنسبة للمرأة كالرجل بالنسبة للرجل أم لا ، وفي الترمذي : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ) ، وأطلق ( ش ) و ( ح ) جواز الإجارة للحمام ، وكرهها أحمد ; لأنها موضع النجاسات والقاذورات ، ومأوى الشياطين ، وما ذكرنا من التفصيل أليق ، فإن حاجة أكثر الناس تدعو إلى دخولها لطهر الحيض والجنابة وإزالة الأوساخ ومداواة الأمراض ، مع أن صاحب الجواهر قد نقل الإجماع على امتناع دخولها مع من لا يستر عورته .

فرع

قال اللخمي : ويمتنع إجارة الحوانيت والدور إذا كان يفعل فيها المحرمات ; كبيع الخمور والمغصوب ، وآلات الحروب ; لأن الغالب اليوم أن لا يقاتل بها إلا المسلمون ، فإن ، تصدق بالكراء . فإن أجره من يهودي يرابي فيه لم يتعرض له ; لأن ذلك من دينهم إن عمله هو والذمة ، وإلا لم يؤاجر . ويمتنع من ذمي يبيع الخمر فيه ; لأنهم لم يعطوا العهد على إعلان الخمر ، ولا يؤاجر داره ممن يعملها [ ص: 398 ] كنيسة ، فإن نزل فسخ من القيام وتصدق بالأجرة إن فات ، وقيل : إذا أجره للخمر ففات لم يفسخ ، أو دابته للرواح إلى الكنيسة ; لأنه باع منافع يجوز له بيعها إنما المنتفع فعل ما يحرم عليه ، فلو أجر الذمي ليبيع خلا فباع خمرا لا يختلف لمساواة الخمر والخل في الضرر ، فلو أكراه ليسكن فباع الخمر ولم يعلم بذلك الكري قومت الدار ثلاث قيم : للسكنى وقيمة ما يضر كمضرة الخمر ، وقيمته مع الخمر ، وتصدق بما يزاد لأجل الخمر ، فإن علم بذلك تصدق بالجميع ، كأنه فسخ الأول في الثاني لما علم بالثاني ، وقيل : لا يتصدق ، فلو أكراه لبيع الخمر فصرف ذلك للسكنى كان الكراء للمكري ; لأن الأول غير منعقد ، وإقرار الثاني عقد آخر ، إلا أن يكون كراء الثاني أقل فيحط عنه ما بين الكرائين ، قاله ابن حبيب ، فإن تعدى على الحانوت فباع فيها الخمر تعديا أخذ كراءها إن كان المتعدي ذميا ، ولا شيء له إن كان مسلما ، قاله ابن القاسم ; لأن المنفعة معدومة شرعا ، وله الأجرة عند ابن حبيب ، إلا أن يكون لا يكسب إلا بثمن الخمر ، وفي الكتاب : لا يكري دابته لتركيب لعيدهم ، وشاته لتذبح لذلك ، قال صاحب النكت : تقوم الدار بغير شرط كونها كنيسة ، ويتصدق بما بين الثمنين إن باع ، وبالكراء كله إن أجر ; لأن المنافع المحرمة لا تقابل بالأعواض . وإجارة المسلم نفسه ثلاثة أقسام : لرعاية الخنازير وحمل الخمر ، تفسخ أبدا ، فإن فات تصدق بالأجرة ، وعلى الخدمة والمهنة تفسخ أبدا ، فإن فاتا لم يتصدق لأنها قبالة منفعة مباحة ، وإنما منعت لوصف خارج وهو إهانة الإسلام ، وعلى شيء لا يكون فيه تحت يد الذمي ولا مهنة كالقراض والحراسة ، فإذا نزل مضى المسمى ، ويكره في الكتاب : أن يكون عامل قراض للذمي ، وكره ابن القاسم إجارته للحراسة له والحرث والبناء لقوله - عليه [ ص: 399 ] السلام - : ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ) ، قال اللخمي : في العتبية إذا وقع كراء العبد أو الشاة لا يرد ; لأن المعصية خارجة من أركان العقد ، كالبيع عند أذان الجمعة ، وككراء الحانوت لبيع الخمر والعنب يعصر خمرا ، يفسخ ، والفرق : أن منافع الدابة تنقضي قبل المعصية ، والشاة بعد الذبح ذكية يجوز أكلها والمنافع تستوفي على ملك المؤجر في دار الكنيسة ونحوها ، فتباشر المعصية المنفعة ، ولو أجره على زق زيت فإذا هو خمر فله الأجرة ويتصدق بما تزيد الأجرة لكونه خمرا ، والعقد بينها باق في زق ثان ، فإن قال : خمرا فوجده زيتا فأجرة المثل لفساد العقد .

فرع

في الكتاب : يجوز على طرح الميتة والدم والعذرة ; لأن الغرض إبعادها لا هي ، ويمتنع على الميتة بجلدها لامتناع بيعه وإن دبغ .

فرع

في الكتاب : يكره للمسلم كراء أرض الجزية ذات الخراج لما فيها من الذلة ، فإن أكريتها فأخذ السلطان منك الخراج : فإن لم يكن الذمي أداه رجعت عليه به ، وإلا فلا ; لأنها مظلمة عليك .

فرع

في الجواهر : تمتنع على قلع الضرس الصحيحة ، وقطع اليد السالمة لتحريم إفساد الأعضاء شرعا .

فرع

كره مالك في النوادر : نقط المصاحف بالحمرة والصفرة ، ومقتضاه كراهة الإجارة عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية