الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 7 ] ( 26 ) باب أمر الصيد في الحرم

758 - قال مالك : كل شيء صيد في الحرم ، أو أرسل عليه كلب في الحرم ، فقتل ذلك الصيد في الحل . فإنه لا يحل أكله ، وعلى من فعل ذلك ، جزاء الصيد . في الحل . فأما الذي يرسل كلبه على الصيد في الحل . فيطلبه حتى يصيده في الحرم . فإنه لا يؤكل ، وليس عليه في ذلك جزاء . إلا أن يكون أرسله عليه ، وهو قريب من الحرم . فإن أرسله قريبا من الحرم ، فعليه جزاؤه .


16554 - قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في الذي يرسل كلبه في الحل فيقتل الصيد في الحرم .

16555 - فقال مالك : عليه جزاؤه ، وكذلك لو رمى سهما في الحل فقتل في الحرم .

16556 - وهو قول الأوزاعي ، والليث .

[ ص: 8 ] 16557 - وقال أبو حنيفة : لو رمى من الحل فوقعت الرمية في الحرم فقتل صيدا ، فعليه الجزاء ، وإن أرسل كلبا في الحل ، فقتل في الحرم فلا جزاء عليه .

58 ؟ 16 - وقال الثوري في شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل سقط عليها طائر ؟ قال : ما كان في الحل يلزم وما كان في الحرم فلا يلزمه .

16559 - وقال الوليد بن مزيد : سئل الأوزاعي عن رجل أرسل كلبه في الحل على صيد ، فأدخله الحرم ، ثم أخرجه من الحرم فقتله ؟ فقال : لا أدري ما أقول فيها فقال له السائل : لو رددتني شهرا فيها لم أسل عنها أحدا غيرك . فقال الأوزاعي لا يؤكل الصيد وليس على صاحبه جزاء .

قال الوليد : فحججت في العام المقبل ، فلقيت ابن جريج ، فسألته عنها ؟ فحدثني عن عطاء ، عن ابن عباس بمثل ما قال الأوزاعي .

16560 - قال أبو عمر : لا خلاف بين العلماء من السلف والخلف في تحريم الصيد بمكة من سائر الحرم وأنه حرم آمن كما قال الله ، عز وجل : أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا [ سورة العنكبوت : 67 ] . وقال إبراهيم ( عليه السلام ) : رب اجعل هذا البلد آمنا [ سورة إبراهيم : 35 ] ، وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله - عز وجل - حرم مكة ولم يحرمها الناس " .

[ ص: 9 ] وقال ( عليه السلام ) : إن إبراهيم حرم مكة وهذا معناه أنه دعى .

[ ص: 10 ] في تحريمها فكان سبب ذلك ، فأضيف إليه على ما تعرفه العرب من كلامها .

16562 - وقد روى أبو هريرة بالنقل الصحيح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالي حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض .

16563 - وقد أوضحنا معاني ذلك كله في كتاب الجامع .

16068 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها " .

16565 - وقد رأى جماعة من العلماء أن الجاني إذا عاذ بالحرم لم يقم عليه حده فيه حتى يخرج منه . ولهذه المسألة باب غير هذا .

16566 - وقالوا : لم يكن الجزاء في غير هذه الأمة إلا على محرم ، فلا على قاتل صيد في الحرم وهو حلال . وإنما كان الجزاء على هذه الآية لقوله ، عز وجل : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا الآية [ 59 من سورة المائدة ] . 16567 - واتفق فقهاء الأمصار ، ومالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والشافعي : أن على من قتل صيدا وهو حلال في الحرم الجزاء كما لو قتله محرم .

[ ص: 11 ] 16568 - وبه قال جماعة أصحاب الحديث .

16569 - وشذت فرقة منهم داود بن علي ، فقالوا : لا جزاء على من قتل في الحرم شيئا من الصيد إلا أن يكون محرما .

16570 - ولا يختلفون في تحريم الصيد في الجزاء ، وإنما اختلفوا في وجوب الجزاء فيه .

16571 - وقد روي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن [ ص: 12 ] عباس ، وابن عمر : في حمام الحرام شاة في كل واحدة منها . ولم يخصوا محرما من حلال ، ولا مخالف لهم من الصحابة .

16572 - وقد يوجد لداود سلف من التابعين .

16573 - ذكر عبد الرزاق عن عمر ، عن صدقة بن يسار ، قال : سألت سعيد بن جبير عن حجلة ذبحتها وأنا بمكة فلم ير علي شيئا .

16574 - وكان أبو حنيفة يقول للحلال يقتل الصيد في الحرم أنه لا يجزئه إلا الهدي والإطعام ، ولا يجزئه الصوم . كأنه جعله ثمنا .

16575 - وعند مالك ، والشافعي : يجزئه الصوم كسائر من وجب عليه جزاء الصيد من المحرمين .

16576 - وقال أبو حنيفة في المحرم إذا أدخل مع الضحية شيئا من صيد الحل إلى الحرم فلا يجوز له ذبحه ، ولا حبسه ، وعليه أن يرسله .

16577 - وقال مالك والشافعي : جائز له بيعه وهبته في الحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية