الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
87 [ ص: 15 ] 75 - مالك : عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ؛ أن عمر بن الخطاب قال : إني لأجده ينحدر مني مثل الخريزة . فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل ذكره ، وليتوضأ وضوءه للصلاة . يعني المذي .


2464 - واختلف عن ابن عباس في ذلك فروى عنه عكرمة وغيره : اغسل ذكرك وما أصابك ، ثم توضأ وضوءك للصلاة .

2465 - وقال عكرمة : هي ثلاثة : المني ، والودي ، والمذي .

2466 - فأما الودي : فإنه الذي يكون مع البول وبعده ، ففيه غسل الفرج والوضوء للصلاة .

2467 - وأما المذي : فهو إذا لاعب الرجل امرأته ؛ ففيه غسل الفرج والوضوء للصلاة .

2468 - وأما المني : فهو الماء الذي تكون فيه الشهوة الكبرى ، ومنه يكون الولد ، ففيه الغسل .

2469 - قال أبو عمر : يحتمل قوله " ففيه غسل الفرج " أن يكون الذكر كله ، ويحتمل أن تكون الحشفة .

[ ص: 16 ] 2470 - وقد روى عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في المذي والودي والمني : حق الغسل ، ومن المذي والودي : الوضوء : يغسل حشفته ويتوضأ .

2471 - وعن الثوري ، عن زياد بن الفياض ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول في المذي ، يغسل حشفته .

2472 - وعن هشيم ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس في المذي ، قال : اغسل ذكرك وما أصابك : وتوضأ وضوءك للصلاة .

2473 - قال أبو عمر : أما لفظ المذي عند أهل اللغة ففي " الغريب " المصنف عن الأموي قال : مذيت وأمذيت ، وهو المذي والمني والودي ، مشددات .

2474 - قال أبو عبيدة وغيره : يخفف المذي والودي .

[ ص: 17 ] 2475 - قال : والصواب عندنا أن المني وحده بالتشديد ، والآخران بالتخفيف .

2476 - وفي " الجمهرة " قال : والمذي : الماء الذي يخرج عند [ ص: 18 ] الإنعاظ ، وليس كالذي يوجب الغسل .

2477 - قال ابن دريد : ربما قيل المذي مشددا ، ولم يذكر الودي .

2478 - وفي بعض نسخ " العين " ودي مشدد . وفي بعضهما مخفف .

2479 - وقال مالك : المذي عندنا أشد من الودي ؛ لأن الفرج يغسل عندنا من المذي ، والودي عندنا بمنزلة البول .

[ ص: 19 ] 2480 - وقال مالك : وليس على الرجل أن يغسل أنثييه من المذي إلا أن يظن أنهما أصابهما منه شيء .

2481 - قال مالك : والودي يكون من الجمام يأتي بإثر البول أبيض خاثرا .

2482 - قال : والمذي تكون معه شهوة ، وهو رقيق إلى الصفرة ، يكون عند ملاعبة الرجل أهله وعند حدوث الشهوة .

2483 - قال أبو عمر : قد جعل مالك المذي أشد من البول ، وقال : لأن الفرج يغسل منه .

2484 - ومعلوم أن البول يغسل منه المخرج والحشفة ، فإذا كان المذي أشد منه فلا وجه لذلك إلا أن يغسل منه الذكر كله .

2485 - ووجه يحتمله أيضا قد اختلف الفقهاء فيه ، وهو أنه لا مدخل للأحجار في المذي ، وأنه لا يستنجى منه بالأحجار كما يصنع بالبول والغائط ، ولا بد له من الغسل بالماء .

2486 - وهو عندي معنى قول مالك : لأن الفرج يغسل من المذي .

2487 - والأصل في النجاسات عنده أنه لا يطهرها إلا الماء وحده ، إلا ما خص به البول والغائط من الأحجار ، وذلك لتواترهما ولأنهما ينوبان الإنسان كثيرا ، فخفف في أمرهما والله أعلم .

2488 - واختلف أصحابنا فيما يغسل من أجل المذي من الذكر :

2489 - فقال بعضهم : يغسل مخرجه كالبول .

[ ص: 20 ] 2490 - وقال بعضهم : يغسل الذكر كله عبادة إلا المخرج ، فإنه للنجاسة .

2491 - وقد اختلف في ذلك السلف قديما كما ذكرت لك .

2492 - وقال الشافعي : لا يجوز الاستنجاء من الدم الخارج من الدبر ولا من المذي ، كما لا يجوز للمستحاضة أن تستنجي بغير الماء .

2493 - وأبو حنيفة على أصله في جواز إزالة النجاسات بكل ما أزالها .

2494 - ومن الحجة في غسل جميع الذكر من المذي ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يغسل ذكره ويتوضأ " وحمله على عموم الفائدة أولى .

2495 - حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع وأبو معاوية وهشيم ، عن الأعمش ، عن منذر بن يعلى الثوري ، عن أبي يعلى ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي ، قال : كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته ، فأمرت المقداد فسأله ، فقال " يغسل ذكره ويتوضأ " .

2496 - وليس في شيء من أحاديث المذي ذكر للاستنجاء على كثرتها واختلاف طرقها .

التالي السابق


الخدمات العلمية