الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
89 [ ص: 21 ] 14 - باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي

76 - مالك : عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه ورجل يسأله ، فقال إني لأجد البلل وأنا أصلي ، أفأنصرف ؟ فقال له سعيد : لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي .

77 - مالك : عن الصلت بن زبيد ؛ أنه قال : سألت سليمان بن يسار عن البلل أجده ، فقال انضح ما تحت ثوبك بالماء واله عنه .


2497 - وترجمته في هذا الباب بالرخصة في ترك الوضوء من المذي ليست من الباب في شيء ؛ لأنه لا رخصة عند أحد من علماء المسلمين [ ص: 22 ] في المذي الخارج على الصحة ، كلهم يوجب الوضوء منه ، وهي سنة مجمع عليها ، لا خلاف والحمد لله فيها .

2498 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن شيبة ، حدثنا هشيم بن بشر ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المذي فقال " فيه الوضوء وفي المني الغسل " .

2499 - ولما صح الإجماع في وجوب الوضوء من المذي لم يبق إلا أن تكون الرخصة في خروجه من فساد وعلة . فإذا كان خروج كذلك فلا وضوء فيه عند مالك ولا عند سلفه وعلماء أهل بلده ؛ لأن ما لا يرقأ ولا ينقطع فلا وجه للوضوء منه .

2500 - ومعنى قول سعيد بن المسيب أنه يلزم من فحش سلس بوله أو مذيه ولم يرقأ دم جرحه أو دمله أن يغسله من ثوبه ، ولا يدخل في صلاته حتى يغسل ما فحش منه وكثر . فإذا دخل في الصلاة لم يقطعها ولو سال على فخذه .

2501 - فأراد سعيد بقوله ذلك أن كثرة المذي وفحشه في البدن والثوب لا يمنع المصلي من تمام صلاته ، وليس كذلك ابتداءه ؛ لأنه يؤمر بغسل الكثير الفحش منه قبل دخوله في الصلاة ، ولا يؤمر بقطعها .

2502 - وفي رواية ابن القاسم عن مالك في هذا الحديث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال يحيى بن سعيد : وأخبرني من كان عند سعيد أنه قال للرجل : فإذا انصرفت إلى أهلك فاغسل ثوبك .

[ ص: 23 ] 2503 - قال يحيى : وأما أنا فلم أسمعه منه . وهذه الزيادة رواها يحيى بن مسكين وغيره عن ابن القاسم ، وهي توضح لك ما فسرنا . وبالله توفيقنا .

2504 - ذكر ابن وهب : عن الليث بن سعد أن كثير بن فرقد حدثه أن عبد الرحمن الأعرج حدثه أن عمر بن الخطاب قال : إني لأجد المذي ينحدر مني مثل الجمان أو اللؤلؤ ، فما التفت إليه ولا أباليه .

2505 - وهذا يدل أن عمر استنكحه أمر المذي ، وغلب عليه ، وسلس منه كما يسلس البول ، فقال فيه القول .

2506 - وهذا خلاف القول الذي حكى عنه أسلم مولاه في حال الصحة على ما في الموطأ .

2507 - وذكر ابن أبي ذئب في موطئه عن أخيه المغيرة بن عبد الرحمن أنه قال : كان يخرج مني المذي ، قال : فربما توضأت المرتين والثلاث ، فأتيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن فسألته : فقال : والله ما أدري ، ائت القاسم بن محمد فسله ، عسى أن تجد عنده علما . قال : فجئت القاسم فسألته : فقال : إنما ذلك من الشيطان فاله عنه ، فلهوت عنه ، فانقطع عني .

2508 - وهذا الباب فيمن كان خروج المذي منه لعلة وفساد لا لصحة وشهوة . [ ص: 24 ] وهو الذي يسميه أصحابنا المستنكح ، وهو صاحب السلس الذي لا ينقطع مذيه أو بوله لعلة نزلت به من كبر ، أو برد ، أو غير ذلك .

2509 - وقد أجمع العلماء على أنه لا يسقط ذلك عنه فرض الصلاة ، وأن عليه أن يصليها في وقتها على حالته تلك ، إذ لا يستطيع غيرها .

2510 - واختلفوا في إيجاب الوضوء عليه للصلاة مع حاله تلك ، فذهب مالك أنه لا يجب له الوضوء لكل صلاة ، ولكنه يستحب له ذلك ، اعتبارا بالمستحاضة . والوضوء عنده لها استحباب أيضا .

2511 - وحجته قوله تعالى : " أو جاء أحد منكم من الغائط " [ النساء 43 ، والمائدة 6 ] : وذلك لما كان معتادا معروفا قصد الغائط من أجله ، ولأن دم المستحاضة دم عرق ، ولا يوجب ذلك عنده وضوءا .

2512 - وقد مضى في باب الأحداث وجه قوله ، ويأتي القول في المستحاضة في موضعه إن شاء الله .

2513 - وقال الشافعي : يتوضأ لكل صلاة .

2514 - وقال الأوزاعي : يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد .

2515 - وقال الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : الوضوء على المستحاضة واجب لكل صلاة ، رووا في ذلك آثارا سنذكرها أو بعضها في بابها إن شاء الله .

2516 - وقالوا تؤدي صلاتها على تلك الحال فكذلك وضوءها .

2517 - وكذلك قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة " .

2518 - وسنوضح ذلك في باب المستحاضة إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية