الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1119 1070 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أنه قال . قال عمر بن الخطاب : أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون ، أو جذام ، أو برص ، فمسها ، فلها صداقها كاملا ، وذلك لزوجها غرم على وليها .

23503 - قال مالك : وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها ، إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها ، أو من يرى أنه يعلم ذلك منها . فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم ، أو مولى ، أو من العشيرة ، ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها ، فليس عليه غرم ، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها . ويترك لها قدر ما تستحل به .


[ ص: 92 ] 23504 - قال أبو عمر : روي هذا الحديث عن ابن عيينة ، وغيره ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، قال : أيما رجل تزوج امرأة ، وبها جنون ، أو جذام ، أو برص ، أو قرن ، فلم يعلم بها حتى أصابها ، فلها مهرها بما استحل منها ، وذلك لزوجها غرم على وليها ، فذكر فيه القران ، ولم يذكره مالك ، وهو محفوظ معمول به عند من يذهب في ذلك مذهب عمر ، بل القران عندهم أوكد ; لأنه يمنع من المعنى المبتغى في النكاح ، وهو الجماع في الأغلب .

23505 - وابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر بن زيد ، قال : أربع لا تجوز في بيع ، ولا نكاح إلا أن يمس ، فإن مس جاز : الجنون ، والجذام ، والبرص ، والقرن .

23506 - قال أبو عمر : هذه مسألة اختلف فيها السلف والخلف :

[ ص: 93 ] 23506 م - فروي عن عمر ما ذكره مالك .

23507 - وقد رواه جماعة غيره ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر ، وسعيد قد روى ما لا يختلفون في ذلك ، واختلفوا في سماعه منه .

23508 - وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في هذه المسألة أنه إن مسها لم يكن له صرفها ، وهي امرأته إن شاء طلق ، أو أمسك ، وإن علم قبل أن يمس كان له الفسخ ، ولا شيء عليه ، فخالف عمر - رضي الله عنهما - في غرم الصداق ; لأن الزوج قد لزمه الصداق بالمسيس ، وهو قياس السنة في قوله - صلى الله عليه وسلم - في النكاح بغير ولي ، وقد نهى عنه : " فإن دخل بها ، فلها مهرها بما استحل منها " .

[ ص: 94 ] 23509 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثني ابن إدريس ، عن أبيه عن الحكم قال : كان علي يقول في المجنونة والبرصاء : إن دخل بها فهي امرأته ، وإن لم يدخل فرق بينهما .

23510 - وعبد الرزاق ، عن الثوري ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن علي ، قال : ترد من القرن ، والجنون ، والجذام ، والبرص ، فإن دخل بها ، فعليه المهر ، إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك ، وإن لم يدخل فرق بينهما .

23511 - وأما اختلاف الفقهاء في ذلك ، فقال مالك وغيره عنه ترد المرأة في الجنون ، والجذام ، والبرص ، وداء النساء الذي في الفرج إذا تزوجها ، وهو لا يعلم بذلك ، فإن دخل بها فلها الصداق بما استحل منها ، ويرجع الزوج على وليها الأب أو الأخ ؛ لما دلس عليه ، إلا أن يكون وليها ابن عم ، أو مولى ، أو رجلا من العشيرة ، ممن لا علم له بشيء من أمرها ، فلا غرم عليه .

23512 - قال : وأرى ذلك عليها خاصة ; لأنها غرت ، ويترك لها عوضا عن [ ص: 95 ] مسيسه إياها قدر ما يستحل به مثلها .

23513 - قال : والمرأة مثل ذلك إذا تزوجها الرجل ، وبه هذه العيوب .

23514 - قال : وإن كانت المرأة التي بها هذه العيوب لم يدخل الزوج بها ، فهو بالخيار ، إن شاء خلى سبيلها ، ولا شيء لها عليه من المهر ، وإن شاء أمسك .

23515 - قال ابن القاسم : وإن وجدها عمياء ، أو مقعدة ، أو شلاء ، وشرط الولي عنها صحتها ، فهو مثل ذلك ، ولا شيء عليه من صداقها إن لم يدخل بها ، وإن دخل بها ، فعليه المهر ، ويرجع على الذي أنكحها ; لأن مالكا قال في امرأة تزوجت فإذا هي بغية : يزوجوه على نسب وإن زوجوه ، فلا شيء لهم عليه .

23516 - قال مالك : لا ترد الزوجة إلا من العيوب الأربعة ، ولا ترد من العمى ، والسواد .

23517 - وقال ابن وهب : المجذوم البين جذامه ترد منه .

[ ص: 96 ] 23518 - قال : وبلغني عن مالك في البرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته .

23519 - وهو رأي .

23520 - قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك أنه لا ترد الزوجة بغير العيوب الثلاثة التي جاءت منصوصة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وترد من كل داء يمنع من الجماع ; لأنه الغرض المقصود للنكاح ; ولأن العيوب الثلاثة المنصوصة عن عمر تمنع من طلب التناسل ، وهو معنى النكاح .

23521 - وزاد ابن القاسم أنه إذا اشترط الناكح السلامة ردت من كل عيب ، قياسا على قول مالك فيمن اشترط النسب ، فخرجت بغية .

23522 - وأما قول مالك في الموطوءة ، وبها العيب من هذه العيوب أنها ترد ما أخذت ، حاشا ربع دينار ، فإنه قاسه على المدلس بالعيب في السلع إذا استهلكت .

23523 - واستدلالا بقول عمر : ذلك لها غرم على وليها .

23524 - وقال ابن سحنون في الجنون والجذام ، والبرص ، وداء النساء الذي يكون في الفرج .

[ ص: 97 ] 23525 - وقال الليث : ورأى الآكلة كالجذام .

23526 - قال : وكان ابن شهاب يقول : من كل داء عضال .

23527 - وقال الشافعي : ترد المرأة من الجنون ، والجذام ، والبرص ، والقرن ، فإن كان قبل الدخول ، فلا شيء لها ، وإن كان بعد الدخول ، فلها مهر مثلها بالمسيس ، ولا يرجع به عليها ، ولا على وليها .

23528 - وهو قول الحسن بن صالح بن حي إلا أنه قال : لها مهرها المسمى .

23529 - قال : وكذلك إن وجدت المرأة بالزوج برصا ، أو جنونا ، أو جذاما كان لها فسخ النكاح .

23530 - قال أبو عمر : حجة الشافعي ، ومن قال بقوله أنه لا يرجع عليها بعد المسيس بشيء من مهرها ، ولا لوليها ، علم أو لم يعلم - قوله ، صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير ولي ، فنكاحها باطل " ثم قال : فإن دخل بها ، فلها المهر مما استحل بها ، فإذا كان المسيس في النكاح الباطل يوجب لها المهر كله ، كان أحرى أن يجب لها ذلك بالنكاح الصحيح الذي لو شاء أن يقيم عليه ويرضى بالعيب ، كان ذلك له .

23531 - وقال سفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والأوزاعي : لا [ ص: 98 ] يفسخ النكاح بعيب المرأة ، وكذلك إن كان عيب الرجل ، لم يفسخ أيضا .

23532 - وهو قول ابن أبي ليلى ، وأبي الزناد .

23533 - قال ابن أبي ليلى ، وأبو الزناد : لا ترد المرأة بجنون ، ولا بجذام .

23534 - وقال الثوري : لا ترد من برص ، ولا عيب .

23535 - وقال الأوزاعي في البرصاء والعفلاء واطلع عليها : لها المهر بالمسيس ، ثم إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك .

23536 - وقال محمد بن الحسن عنه ، وعن أصحابه : إذا وجدت المرأة عن حال لا تطيق المقام معه من جذام أو نحوه ، فلها الخيار في الفسخ ، كالغبن .

23537 - قال أبو عمر : حجة هؤلاء الذين لا يرون رد زوجة بعيب : القياس على الإجماع ; لأنهم لما أجمعوا على أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير خلاف البيوع . كان كذلك العيب الكبير ، وقد قال بقول المدنيين جماعة من التابعين ، وكذلك قال بقول الكوفيين جماعة من التابعين .

23538 - كتب عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة أبو بكر ، قال : حدثني [ ص: 99 ] عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، في الرجل تزوج امرأة ، فدخل بها ، فرأى بها جنونا ، أو جذاما ، أو برصا ، أو عفلا ، أنها ترد من هذا ، ولها الصداق الذي استحل به فرجها العاجل والآجل ، وصداقها على من غره .

23539 - قال : وإذا تزوج الرجل المرأة ، وبالرجل عيب لم تعلم به : جنون ، أو جذام ، أو برص خيرت .

23540 - وقال عبد الرازق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : إن كان الولي علم غرم ، وإلا استحلف بالله ما علم ، ثم هو على الزوج .

23541 - قال أبو عمر : من علم من الزوجين بأحد هذه العيوب من صاحبه ، ورضيه ، ولم يطلب الفراق حين علم ، وأمكنه الطلب ، فقد لزمه ، ولو رضيت بالمقام مع المجذوم ، ثم زادت حاله ، كان لها الخيار أيضا .

23542 - وأما الجنون إذا كان لا يؤمن عليها : فقد قال ابن القاسم ، وغيره من أصحاب مالك : يؤجل سنة يتعالج فيها ، إن كان ممن يرجى برؤه ، وكذلك المجذوم عندهم .

23542 م - وذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك في المجنون أنه يحبس في الحديد ، فإن راجعه عقله ، وإلا فرق بينه وبين امرأته ، ولم يذكر تأجيل سنة .

[ ص: 100 ] 23543 - ولم أعلم أحدا من العلماء قال : إن المجنون يؤجل سنة كالعنين والمعترض ، إلا ما في كتاب أصحاب مالك ، رحمهم الله .

23544 - قال أبو عمر : إن استحقت المرأة المهر بالمسيس ، فالقياس ألا يكون على الولي شيء ، علم أو لم يعلم ; لأن الزوج قد اعتاض من مهره المسيس ، فكيف يكون له عوض آخر .

23545 - قال أبو عمر : لم يختلف الفقهاء في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد منه إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي ، أنه لا ترد الرتقاء ، ولا غيرها .

23546 - والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ; لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح .

23547 - وفي الإجماع هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضع وطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج .

23548 - وفي إجماعهم أيضا على العقيم التي لا تلد لا ترد ، فالصحيح ما قلناه ، وبالله توفيقنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية