الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1154 [ ص: 321 ] ( 20 ) باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله

1105 - مالك ، عن ابن شهاب ; أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلمن بأرضهن ، وهن غير مهاجرات . وأزواجهن حين أسلمن ، كفار . منهن بنت الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أمية . فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام .

فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانا لصفوان بن أمية ، ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام وأن يقدم عليه . فإن رضي أمرا قبله وإلا سيره شهرين ، فلما قدم صفوان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه ، ناداه على رءوس الناس ، فقال : يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمرا قبلته ، وإلا سيرتني شهرين . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انزل أبا وهب " فقال : لا والله لا أنزل حتى تبين لي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 322 ] " بل لك تسير أربعة أشهر " فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هوازن بحنين ، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحا عنده . فقال صفوان : أطوعا أم كرها ؟ فقال " بل طوعا " . فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ثم خرج صفوان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر . فشهد حنينا والطائف ، وهو كافر . وامرأته مسلمة . ولم يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين امرأته . حتى أسلمصفوان . واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح
.

1106 - وعن ابن شهاب ; أنه قال : كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر .

قال ابن شهاب : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله ، وزوجها كافر مقيم بدار الكفر ، إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها . إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها .

1107 - وعن ابن شهاب ; أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ، فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 323 ] عام الفتح . فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثب إليه فرحا ، وما عليه رداء . حتى بايعه . فثبتا على نكاحهما ذلك .

24681 - قال مالك : وإذا أسلم الرجل قبل امرأته . وقعت الفرقة بينهما . إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم ; لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ]


24682 - قال أبو عمر : قد تكلمنا على هذين الحديثين ، وعلى حسب ألفاظهما في " التمهيد " ، وهي تنصرف في أبواب من هذا الكتاب .

24683 - وأما مسألة الكافر والوثني والكتابي تسلم امرأته قبله ، أو يسلم قبلها ، ومسألة الحربية تخرج إلينا مسلمة .

24684 - فأما الكافر تسلم امرأته : ففي حديث ابن شهاب في هذا الباب بيان السنة في ذلك ، وأنه أحق بامرأته ما كانت في عدة منه .

24685 - وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابهما في الوثني تسلم زوجته الوثنية ، أنه إن أسلم في عدتها ، فهو أحق بها ، كما كان صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدتهما على [ ص: 324 ] حديث مالك ، عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب .

24686 - وكذلك رواه معمر ، عن الزهري ، كما رواه عنه مالك ، سواء بمعنى واحد .

24687 - وروى معمر أيضا ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد أن عكرمة بن أبي جهل فر يوم الفتح ، فركبت إليه امرأته ، فردته ، فأسلم ، وكانت قد أسلمت قبل ذلك ، فأقرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - على نكاحهما .

24688 - واختلف مالك والشافعي في الوثنيين يسلم الرجل منهم قبل امرأته :

24689 - فذهب مالك إلى ما ذكره في هذا الباب من موطئه أنه تقع بإسلامه الفرقة بينه وبين امرأته إذا عرض عليها الإسلام ، ولم تسلم في الوقت .

24690 - واحتج بقوله - عز وجل : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] .

24691 - وقال الشافعي : سواء أسلم المجوسي ، أو الوثني قبل امرأته الوثنية ، أو أسلمت قبله ، إذا اجتمع إسلامهما في العدة ، فهما على نكاحهما .

24692 - واحتج بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة [ ص: 325 ] امرأته ، وكان إسلامه بمر الظهران ، ثم رجع إلى مكة ، وهند بها كافرة مقيمة على كفرها ، فأخذت بلحيته ، وقالت : اقتلوا الشيخ الضال ، ثم أسلمت بعده بأيام ، فاستقرا على نكاحهما ; لأن عدتها لم تكن انقضت .

24693 - قال : ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته ، ثم أسلمت بعده ، فكانا على نكاحهما .

24694 - قال : ولا حجة فيما احتج به مالك .

24695 - وقوله : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] لأن نساء المؤمنين محرمات على الكفار ، كما أن المسلمين لا تحل لهم الكوافر والوثنيات ، ولا المجوسيات ; لقوله عز وجل : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [ الممتحنة : 10 ] .

24696 - ثم بينت السنة أن مراد الله عز وجل من قوله هذا أنهم لا يحل بعضهم لبعض إلا أن يسلم الثاني منهما في العدة ، واحتج بقصة زينب بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

24697 - قال أبو عمر : أما قصة زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد اختلف فيها .

[ ص: 326 ] 24698 - ذكر أبو داود ، قال : حدثني عبد الله بن محمد النفيلي ، قال : حدثني محمد بن سلمة . قال أبو داود : وحدثني محمد بن عمرو الرازي ، قال : حدثني سلمة بن الفضل ، قال أبو داود : وحدثني الحسن بن علي ، قال : حدثني يزيد . كلهم عن ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا .

24699 - قال محمد بن عمر في حديثه : بعد ست سنين . وقال الحسن بن علي : بعد سنتين .

24700 - فإن صح هذا ، فلا يخلو من أحد الوجهين : إما أنها لم تحض ثلاث حيض حتى أسلم زوجها ، وإما الأمر فيها منسوخ بقول الله عز وجل : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك [ البقرة : 228 ] . يعني في عدتهن .

24701 - وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أنه عني به : العدة .

24702 - وقال ابن شهاب الزهري - رحمه الله - في قصة زينب هذه : كان هذا قبل أن تنزل الفرائض .

[ ص: 327 ] 24703 - وقال قتادة : كان هذا قبل أن تنزل سورة ( براءة ) بقطع العهود بين المسلمين والمشركين .

24704 - قال أبو عمر : قد روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته زينب - رضي الله عنها - إلى أبي العاص بن الربيع بنكاح جديد ، وإذا كان هذا سقط القول في قصة زينب ، والحمد لله .

24705 - وكذلك قال الشعبي - مع علمه بالمغازي - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد زينب ابنته إلى أبي العاص إلا بنكاح جديد .

24706 - ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم ، ويأبى زوجها من الإسلام حتى تنقضي عدتها أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد .

24707 - وهذا كله يبين به أن قول ابن عباس : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب إلى أبي العاص على النكاح الأول - أنه أراد به على مثل الصداق الأول ، إن صح .

24708 - وحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عندنا صحيح ، [ ص: 328 ] والله أعلم .

24709 - وقد ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن رجل ، عن ابن شهاب ، قال : أسلمت زينب ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهاجرت بعد النبي - عليه السلام - في الهجرة الأولى ، وزوجها أبو العاص بن الربيع بمكة مشرك ، ثم شهد أبو العاص بدرا مشركا ، فأسر ، ففدي ، وكان موسرا ، ثم شهد أحدا مشركا ، ورجع إلى مكة ، ومكث بها ما شاء الله ، ثم خرج إلى الشام تاجرا ، فأسر بأرض الشام ، أسره نفر من الأنصار ، فدخلت زينب على النبي - عليه السلام - فقالت : إن المسلمين يجير عليهم أدناهم ؟ فقال : " وما ذاك يا زينب ؟ " فقالت : أجرت أبا العاص ، فقال : " أجزت جوارك " ، ثم لم يجز جوار امرأة بعدها ، ثم أسلم ، [ ص: 329 ] فكان على نكاحهما .

وكان عمر بن الخطاب خطبها إلى النبي - عليه السلام - فذكر لها النبي - عليه السلام - ذلك ، فقالت : أبو العاص يا رسول الله حيث علمت ، وقد كان نعم الصهر ، فإن رأيت أن ننتظره ، فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك .

24710 - قال ابن شهاب : وأسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بالروحاء مقفل النبي - عليه السلام - من الفتح ، فقدم على جمانة بنت أبي طالب مشركة ، فأسلمت فأقاما على نكاحهما .

24711 - قال ابن شهاب : وأسلم مخرمة بن نوفل ، وأبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام بمر الظهران ، وقدموا على نسائهم مشركات ، فأسلمن ، فأقاموا على نكاحهم ، وكانت امرأة مخرمة بن نوفل الشفا بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف ، وامرأة حكيم بن حزام زينب ابنة العوام ، وامرأة أبي سفيان هند بنت عتبة بن ربيعة .

24712 - قال ابن شهاب : وكان عند صفوان بن أمية مع عاتكة بنت الوليد بن المغيرة آمنة بنت أبي سفيان بن حرب ، فأسلمت أيضا مع عاتكة يوم الفتح بعد صفوان بن أمية ، فأقاما على نكاحهما .

[ ص: 330 ] 24713 - قال أبو عمر : فهذه الأخبار كلها حجة للشافعي في الموضع الذي خالف فيه مالكا ، وقد ذكرنا حجة مالك .

24714 - فإن قيل : إن ابن جريج روى عن ابن شهاب أنها إذا أسلمت قبله خير زوجها ، فإن أسلم ، فهي امرأته ، وإلا فرق الإسلام بينهما .

24715 - قيل له : لم يختلف قول ابن شهاب ، ولا اختلفت آثاره التي ذكرنا أن الرجل إذا أسلمت زوجته قبله كان أحق بها ما كان إسلامه في عدتها .

24716 - وهذا يبين لك أن قوله : يخير . ما دام في العدة ، لا في وقت إسلامه فقط .

24717 - وقد روى إسرائيل وغيره ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسلمت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهاجرت ، وتزوجت ، وكان زوجها قد أسلم ، فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله ! إني قد أسلمت معها ، وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخر ، وردها إلى زوجها الأول .

[ ص: 331 ] 24718 - وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في " التمهيد " .

24719 - وفيه دليل على أن الإسلام منها لا يحرمها على زوجها الكافر إذا أسلم بعدها ، ما لم تنقض عدتها .

24720 - قال أبو عمر : وأما الكوفيون : سفيان ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، فإنهم قالوا في الكافرين الذميين إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام ، فإن أسلم ، وإلا فرق بينهما .

24721 - قالوا : ولو كانا حربيين كانت امرأته حتى تحيض ثلاث حيض ، فإن لم يسلم في العدة وقعت الفرقة ، وقالوا لو كانت المرأة مجوسية فأسلم الزوج ، ولم يدخل بها ، ولم تسلم حتى انقضت عدتها ، فلها نصف الصداق ، وإن أسلمت قبل انقضاء عدتها ، فهما على نكاحهما .

24722 - قال أبو عمر : فرقوا بين الحربيين ، والذميين ; لاختلاف الدارين [ ص: 332 ] عندهم .

24723 - وقالوا في الآثار التي ذكرها ابن شهاب أن قريشا المذكورين ، ونساءهم كانوا حربيين .

24724 - قال أبو عمر : لا فرق بين الدارين في الكتاب ولا في السنة ، ولا في القياس ، وإنما المراعاة في ذلك كله في الديانات ، فباختلافهما يقع الحكم ، والله المستعان .

24725 - وقال الأوزاعي : إذا أسلمت المرأة ، وأسلم هو في العدة ، فهي امرأته ، وإن أسلم بعد العدة ، فهي تطليقة ، وهو خاطب .

24726 - قال : والمجوسية ، والوثنية ، والكتابية في ذلك سواء .

24727 - قال أبو عمر : يعني أنه أحق بها ما كان إسلامه في العدة على ما جاء الخبر به عن صفوان ، وعكرمة ، وغيرهما ممن تقدم ذكره في هذا الباب .

24728 - وعن الحسن بن حي روايتان : ( إحداهما ) : مثل قول الأوزاعي ، والشافعي في اعتبار العدة .

( والأخرى ) : مثل قول الثوري ، وأبي حنيفة في عرض الإسلام على الزوج في الوقت ، فإن أبى وقعت الفرقة ، ولم يفرق بين الحربيين ، والذميين .

[ ص: 333 ] 24729 - وفي المسألة قول رابع في المجوسيين عن ابن شهاب : أيهما أسلم وقعت الفرقة بينهما ساعة الإسلام إلا أن يسلما معا .

24730 - روي ذلك عن ابن عباس ، وعكرمة وطاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والحكم .

24731 - وأما اختلافهم في الصداق في هذا الباب :

24732 - فقال الثوري : إن أسلمت ، وأبى ، فلها المهر إن كان دخل بها ، ونصفه إن لم يدخل ، وإن أسلم وأبت وهي مجوسية ، فلا مهر إن لم يدخل بها .

24733 - قال أبو عمر : لا خلاف [ أنه ] إذا دخل في وجوب المهر .

24734 - وأما اشتراطه المجوسية في تقدم إسلامه ، ولم يتقدم شرط ذلك في الكتابية ; لأن إسلامه لا يحرم عليه الكتابية ، ويحرم المجوسية .

24735 - وهذا أيضا صحيح ، لا خلاف فيه ، ولا مهر لها ; لأنه فسخ ليس بطلاق .

24736 - وفي سماع ابن أبي أويس ، عن مالك أنه قال : الأمر عندنا في [ ص: 334 ] المرأة تسلم ، وزوجها كافر قبل أن يدخل بها أنه لا صداق لها ، سمى لها ، أو لم يسم ، وليس لزوجها عليها رجعة ; لأنه لا عدة عليها .

24737 - قال : ولو دخل بها كان له عليها الرجعة إن أسلم في عدتها ، وكان لها صداقها كاملا ، فإن بقي لها عليه شيء من مهرها ، فلها بقيته ، أسلم في عدتها ، أو لم يسلم .

24738 - قال : وقال مالك في المجوسية ، يتزوجها المجوسي ، ثم يسلم أحدهما ، ولم يدخل بها - فرض لها أو لم يفرض لها : إنه لا صداق لها إن أسلمت قبله ، وأبى هو أن يسلم ، أو أسلم قبلها ، وأبت هي أن تسلم في الوجهين جميعا .

24739 - قال أبو عمر : قول مالك ليس عليها رجعة إن لم يسلم في عدتها بذلك أن أهل العلم ينزلون إسلامه ، أو إسلامها منزلة الطلاق ، يراعون في رجعته بعد الإسلام الدخول .

24740 - وإنما اختلفوا هل فيه فسخ أو طلاق .

24741 - واختلفوا في الوثنيين يسلم الزوج منهما قبل الدخول ، ويعرض عليها الإسلام ، فتأبى ، أنه لا شيء لها من المهر .

[ ص: 335 ] 24742 - وقال الشافعي في المزني : فإذا أسلم الزوج قبل الدخول ، فلها نصف المهر إن كانت مجوسية ، أو وثنية ، وإن أسلمت هي قبله ، فلا صداق لها ; لأن الفسخ جاء من قبلها .

24743 - قال أبو عمر : لأنه لا عدة فيمن لم يدخل بها ينتظر إليها .

24744 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا عرض الإسلام على الذي لم يسلم من الزوجين وأبى ، فرق بينهما إلا أن تكون الزوجة كتابية ، فيسلم الرجل ، وتأبى امرأته ، فإنه يقيم على نكاحه معها .

24745 - فإن كان الزوج هو الذي أبى قبل الدخول كان عليه نصف الصداق .

24746 - وإن كانت المرأة هي التي أبت ، فلا شيء لها .

24747 - وهو قول الثوري .

24748 - وقال ابن شبرمة في المجوسي تسلم امرأته ، ولم يدخل بها ، فقد انقطعت العصمة بينهما ، ولا صداق لها .

24749 - وإن أسلم هو ، ولم يدخل ، ثم لم تسلم هي حتى انقضت عدتها فلها نصف الصداق .

[ ص: 336 ] 24750 - وإن أسلمت قبل أن تنقضي العدة فهما على النكاح .

24751 - قال أبو عمر : اختلاف التابعين في هذه المسائل على حسب ما ذكرنا عن أئمة الفتوى ، فلم أر لذكرهم وجها .

24752 - وأما من لم ير نصف الصداق واجبا للمرأة إذا أسلمت قبل زوجها ، ولم يسلم ، ولم يدخل بها ، فلأن الفسخ جاء من قبلها ، فلم يكن لها شيء من الصداق .

24753 - ومن رأى لها نصف الصداق زعم أنها فعلت فعلا مباحا لها يرضاه الله - عز وجل - منها ، فلما أبى زوجها أن يسلم كان كالمفارق المطلق لها ، فوجب عليه نصف الصداق .

24754 - وأما إسلام الزوج قبل امرأته ، ولم يدخل بها .

24755 - فإن كانت كتابية أقام عليها .

24756 - وإن كانت مجوسية ، أو وثنية ; فوجه من قال لها نصف الصداق إن أبت من الإسلام ; لأنه المفارق لها بإسلامه ، وقد كانا عقدا نكاحهما على دينهما .

24757 - ومن قال : لا شيء لها ، فعله وقوله نحو ما تقدم ذكره ، لأنه فعل ما له فعله ، فلو أسلمت قرت معه ، فلما أبت كانت هي المفارقة ، وإنما جاءت [ ص: 337 ] الفرقة من قبلها ، فلا شيء لها من الصداق .

24758 - قال أبو عمر : زعم بعض الناس أن عمر بن عبد العزيز كان يذهب إلى أن الفرقة تقع بينهما بلا عرض إسلام ، ولا انتظار عدة .

24759 - وذكر ذلك عنه ابن جريج .

24760 - وذكر سليمان التيمي ، عن الحسن وعمر بن عبد العزيز : إذا أسلمت قبله خلعها منه الإسلام ، كما تخلع الأمة من العبد إذا عتقت .

24761 - وهذا جهل ; لأن الأمة تحت العبد ، لا تبين بعتقها منه إلا بعد التخيير لها ما لم يمسها .

24762 - وهذا يدل على أنها لم تبن منه .

24763 - وكذلك الكافرة إذا أسلمت لم تبن من زوجها ، ولو بانت ما عرض الإسلام عليه في الوقت ، ولا انتظر به في تخييره ، وعرض الإسلام عليه مضي العدة .

24764 - وهذا مع وضوحه قد روي منصوصا عن عمر بن عبد العزيز .

24765 - ذكره عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عمرو بن ميمون بن مهران أن [ ص: 338 ] عمر بن عبد العزيز قال : وهي في العدة . فهو أحق بها .

24766 - وفي المسألة قول شاذ خامس ، روي عن عمر ، وعلي .

24767 - وبه قال إبراهيم ، والشعبي : إذا أسلمت الذمية لم تنتزع من زوجها ; لأن له عهدا .

24768 - وهذا لا يقول به أحد من فقهاء الأمصار ، وأهل الآثار .

التالي السابق


الخدمات العلمية