الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1258 [ ص: 187 ] ( 32 ) باب عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها

1217 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أنه قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال وبين نسائهم ، وكن أمهات أولاد رجال هلكوا ، فتزوجوهن بعد حيضة أو حيضتين ، ففرق بينهم ، حتى يعتدون أربعة أشهر وعشرا ، فقال القاسم بن محمد : سبحان الله ! يقول الله في كتابه والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا [ البقرة : 234 ، 240 ] ما هن من الأزواج .

1218 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أنه قال : عدة أم الولد ، إذا توفي عنها سيدها ، حيضة .

1219 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ; أنه كان يقول : عدة أم الولد ، إذا توفي عنها سيدها ، حيضة .

قال مالك : وهو الأمر عندنا .

قال مالك : وإن لم تكن ممن تحيض ، فعدتها ثلاثة أشهر .


27440 - قال أبو عمر : ما احتج به القاسم بن محمد من ظاهر كتاب الله في قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا [ البقرة : 234 ، 240 ] .

[ ص: 188 ] 27441 - وقوله : ما هن من الأزواج احتجاج صحيح ; لئلا يضاف إلى كتاب الله - عز وجل - ما ليس في معناه .

27442 - وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في عدة أم الولد :

27443 - فقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وأبو عبيد : عدتها حيضة .

27444 - وهو قول ابن عمر ، والشعبي ، ومكحول .

27445 - وضعف أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص في ذلك ، وهو حديث رواه قتادة ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : قال عمرو بن العاص : لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر .

27446 - وقتادة لا يعرف له سماع عن رجاء بن حيوة ، ولا لقبيصة بن ذؤيب من عمرو بن العاص ، فهو منقطع ، لا يصح الاحتجاج بمثله .

27447 - وقال مالك : عدتها حيضة إذا أعتقها سيدها ، أو مات عنها ، ولها عنده السكنى في مدة العدة .

[ ص: 189 ] 27448 - قال : وإن كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر .

27449 - وقال الشافعي : عدتها حيضة في الموت ، والعتق .

27450 - ومرة قال : توفي سيدها ، أو أعتقها ، فلا عدة عليها ، وتستبرأ بحيضة .

27451 - فإن لم تكن ممن تحيض ، فشهر ، وثلاثة أشهر أحب إلينا .

27452 - قال أبو عمر : أقل ما قيل في هذا الباب حيضة ، وما زاد احتاج إلى دليل .

27453 - واختلف القائلون بأن عدتها حيضة إذا مات سيدها ، وهي حائض .

27454 - فقال الليث بن سعد : تجزئها تلك الحيضة .

27455 - وقاله إسماعيل بن إسحاق .

27456 - وقال مالك ، والشافعي في أحد قوليه : لا يجزئها حتى تبتدئ الحيضة .

27457 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن حي : عدتها ثلاث حيض .

[ ص: 190 ] 27458 - وهو قول علي ; وابن مسعود .

27459 - وبه قال عطاء ، وإبراهيم ، إلا أن الثوري قال في أم ولد زوجها سيدها ، ثم مات زوجها وسيدها معا وقع البيت عليها ، قال تعتد أقصى العدتين أربعة أشهر وعشرا .

27460 - وحجة من قال : عدة أم الولد ثلاث حيض ; لأن العدة إنما وجبت عليها وهي حرة لم تكن زوجة ، فتعتد أربعة أشهر وعشرا ، ووجب استبراء رحمها من سيدها ، والحرة لا تستبرأ بأقل من ثلاث حيض ، وكانت عدة واجبة عن وطء ، فأشبهت الحرة المطلقة .

27461 - وقال طاوس ، وقتادة : عدة أم الولد نصف عدة الحرة المتوفى عنها زوجها .

27462 - وقال الأوزاعي ، وإسحاق بن راهويه : عدتها أربعة أشهر وعشر .

27463 - وهو قول سعيد بن المسيب ، وابن أبي عياض ، وابن سيرين ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، إلا أن [ ص: 191 ] الأوزاعي قال : إذا أعتقها مولاها ، فعدتها ثلاث حيض ، وإن مات عنها ، فعدتها أربعة أشهر وعشر .

27464 - وحجة من قال بهذا القول حديث عمرو بن العاص ، وقد تقدم القول فيه .

27465 - وتقدمت حجة من قال : عدتها ثلاث حيض .

27466 - والحجة لمالك ، والشافعي في أن أم الولد تعتد من وفاة ، وليست زوجة فتعتد بالشهور ، ولا هي مطلقة فتعتد ثلاث حيض ، وإنما عليها استبراء رحمها من وطء كان قبل أن يلحقها العتق ، فحكمها حكم الأمة في الاستبراء ، وذلك حيضة .

27467 - وقال الشافعي : ليست عدة ، وإنما هي استبراء .

27468 - قال : وإنما سموها عدة مجازا وتقريبا .

27469 - وأما مالك ، فهي عنده تستأنف فيها الحيضة من أولها . وعليه فيها السكنى ، وقد سماها الجميع عدة ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية