الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 173 ] ( 11 ) باب الدين في القراض

1371 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى به سلعة ، ثم باع السلعة بدين ، فربح في المال ، ثم هلك الذي أخذ المال ، قبل أن يقبض المال ، قال : إن أراد ورثته أن يقبضوا ذلك المال وهم على شرط أبيهم من الربح فذلك لهم إذا كانوا أمناء على ذلك فإن كرهوا أن يقتضوه ، وخلوا بين صاحب المال وبينه ، لم يكلفوا أن يقتضوه ، ولا شيء عليهم ، ولا شيء لهم . إذا أسلموه إلى رب المال ، فإن اقتضوه ، فلهم فيه من الشرط والنفقة ، مثل ما كان لأبيهم في ذلك هم فيه بمنزلة أبيهم ، فإن لم يكونوا أمناء على ذلك ، فإن لهم أن يأتوا بأمين ثقة ، فيقتضى ذلك المال ، فإذا اقتضى جميع المال وجميع الربح ، كانوا في ذلك بمنزلة أبيهم .

قال مالك : في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا ، على أنه يعمل فيه ، فما باع به من دين فهو ضامن له إن ذلك لازم له ، إن باع بدين فقد ضمنه .


[ ص: 174 ] 30935 - قال أبو عمر : ظاهر قول مالك هذا في " الموطأ " أن العامل يضمن إذا باع بالدين ; لأنه على ذلك أخذ المال أنه إن باع بالدين ضمن ، فإن كان ذلك ضمن .

30936 - وتلخيص مذهب أئمة الفتوى في بيع المقارض بالدين .

30937 - إن مالكا والشافعي قالا : لا يبيع العامل في القراض سلعة بنسيئة إلا أن يأذن له رب المال ، فإن فعل بغير إذنه ضمن .

30938 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : له أن يبيع بالدين إلا أن ينهاه رب المال أو ينص ذلك له إذا قارضه .

30939 - وأما موت العامل في سلع ، أو دين ، فقول مالك فيما تقدم ذكره .

30940 - قال الشافعي : إن مات العامل لم يكن لورثته أن يعمل مكانه ، وبيع ما كان في يديه حتى ثياب سفره ، وغير ذلك مما قل أو كثر ، فإن كان فيه فضل ، كان لورثته حصته ، وإن كان خسرانا ، كان ذلك في المال ، وإن مات رب المال صار المال لورثته ، فإن رضوا تركوا المقارض على قراضه ، وإلا فقد انفسخ قراضه .

30941 - وقال الشافعي : ومتى شاء رب المال أخذ ماله قبل العمل وبعده ، [ ص: 175 ] كان ذلك له ، ومتى شاء العامل أن يخرج من القراض ، فذلك له .

30942 - قال أبو عمر : هذا خلاف قول مالك ، وليس للعامل عنده ، ولا لرب المال أن يفسخ القراض إلا إذا كان المال عينا ، فإذا صار في السلع أجبر المقارض على أن يرده عينا كما أخذه ، وأجبر رب المال على ذلك أيضا في أعجل ما يمكن من بيع السلع .

30943 - قال مالك : يجبر العامل على تقاضي ما باع بالدين ، وإن كان فيه وضيعة حتى يرد المال عينا ، ولرب المال أن لا يرضى بالحوالة .

30944 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا باع المضارب بنسيئة وأحب رب المال أن يفسخ القراض ، فإن كان في المال فضل أجبر على التقاضي ، وإن لم يكن له فضل لم يجبر على تقاضيه ، وأجل الذي له المال حتى يتقاضاه .

30945 - هذا يدل من قولهم أن للمقارض ولرب المال أن يفسخ كل واحد منهما القراض ، قبل العمل وبعده ، كما قال الشافعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية