الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1686 1687 - مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا " .

[ ص: 156 ] 1688 - مالك ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، أنه قال : تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكل عبد مؤمن ، إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا ، أو اركوا هذين حتى يفيئا .


39054 - قال أبو عمر : حديث سهيل مسند صحيح حسن ، وفيه فضل كبير ليوم الاثنين والخميس لما يفتح الله فيهما من الرحمة لعباده والمغفرة لذنوبهم .

39055 - وقد ذكرنا في كتاب الصيام ما جاء في أبواب الجنة وعدتها ، وذكرنا في كتاب الصلاة الآثار الدالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مخلوقة بعد .

39056 - وفي قول الله - عز وجل - : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] .

39057 - وإجماع علماء المسلمين على أنه محكم ، لا يجوز النسخ عليه على ما يغني عن الاستدلال بأخبار الآحاد في معناه .

39058 - وفيه تعظيم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان ، وهم الذين يأمنهم الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، المصدقون بوعد الله ووعيده ، المجتنبون لكبائر الإثم والفواحش .

39059 - والعبد المسلم من وصفنا حاله ، ومن سلم المسلمون من لسانه ويده [ ص: 157 ] فهؤلاء لا يحل لأحد أن يهجرهم ، ولا أن يبغضهم ، بل محبتهم دين ، وموالاتهم زيادة في الإيمان ، واليقين .

39060 - وفي هذا الحديث دليل على أن الذنوب بين العباد إذا تساقطوها وغفرها بعضهم لبعض ، أو خرج بعضهم لبعض عما لزمه منها ، سقطت المطالبة من الله - عز وجل - بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " حتى يصطلحا ، فإذا اصطلحا ، غفر لهما " .

39061 - وأما حديث مسلم بن أبي مريم [ وهو موقوف عند جمهور رواة " الموطأ " .

39062 - وقد رواه ابن وهب ، عن مالك عن مسلم بن أبي مريم ] عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مسندا ، وهو الصحيح لأنه لا يقال مثله بالرأي ، ولا يدرك بالقياس .

39063 - وقد ذكرنا الطرق عن ابن وهب بما وصفنا في " التمهيد " .

39064 - والقول في معناه كالقول في حديث سهيل .

39065 - وأما قوله فيه : " أو اركوا هذين حتى يفيئا " . فقيل : " اركوا " معناه اتركوا . وقيل : معناه أخروا هذين ، يقال : وخر وأنظر هذا وأرج هذا ، [ ص: 158 ] وارك هذا . كل ذلك بمعنى واحد .

39066 - وأما قوله : " حتى يفيئا " فمعناه حتى يرجعا إلى ما عليه أهل المؤاخاة والمصافاة من الأخلاء والأولياء ، على ما كان عليه من قبل أن يتهاجرا .

39067 - والفيء الرجوع والمراجعة قال الله - عز وجل - : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ( [ الحجرات : 9 ] وقال في الذين يألون من نسائهم : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم ، وحنثوا أنفسهم في أيمانهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية