الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويرفع صوته بالتلبية لقول النبي صلى الله [ ص: 88 ] عليه وسلم " أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية " .

قال الماوردي : أما التلبية ، فقد اختلف أهل العلم فيما هي مأخوذة منه على خمسة أقاويل :

أحدها : أنها مأخوذة من قولهم ، ألب فلان بالمكان ولب إذا أقام فيه ، ومعنى لبيك ، أي أنا مقيم عند طاعتك ، ومنه قول الشاعر :


محل الفخر أنت به ملب ما ما تزول ولا تريم

وقال آخر :


لب بأرض ما تخطاها الغنم

وهذا قول الخليل وثعلب .

والثاني : أنها مأخوذة من الإجابة ، ومعناها : إجابتي لك ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :


لبيكما لبيكما هأنا ذا لديكما

وهذا قول الفراء .

والثالث : أنها مأخوذة من اللب ، واللباب الذي يكون خالص الشيء ، ومعناها : الإخلاص أي أخلصت لك الطاعة .

والرابع : أنها مأخوذة من لب العقل ، من قولهم : رجل لبيت ، ويكون معناها : أي منصرف إليك وقلبي مقبل عليك .

والخامس : أنها مأخوذة من المحبة ، من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت لولدها محبة ، ويكون معناها : محبتي لك ومنه قول الشاعر :


وكنتم كأم لبة ظعن ابنها     إليها فما درت عليه بساعد

والتلبية سنة في الحج والعمرة ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الحجاج والعمار وفد الله ، والذي نفس أبي القاسم بيده ، ما أهل [ ص: 89 ] مهل ، ولا كبر مكبر على شرف من الأشراف إلا أهل ما بين يديه وكبر تكبيره حتى ينقطع بهم منقطع التراب " . وروى خلاد بن السائب عن زيد بن خالد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل أتاني الآن فقال : قل لبيك اللهم لبيك ، فإنه من شعار الحج " وحكي عن أبي علي بن خيران وأبي علي بن أبي هريرة أن التلبية في أثناء الحج والعمرة واجبة وزعما أنهما وجدا للشافعي نصا يدل عليه ، وليس يعرف للشافعي في كتبه نص يدل عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية