الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويلبي المحرم قائما وقاعدا وراكبا ونازلا وجنبا ومتطهرا وعلى كل حال رافعا صوته في جميع مساجد الجماعات وفي كل موضع وكان السلف يستحبون التلبية عند اضطمام الرفاق وعند الإشراف والهبوط وخلف الصلوات وفي استقبال الليل والنهار وبالأسحار ونحبه على كل حال " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، يستحب للمحرم أن يلبي في جميع أحواله ، قائما ، وقاعدا ، وراكبا ، ونازلا ، وجنبا ، ومتطهرا ، وعند اضطمام الرفاق ، وعند الإشراف ، والهبوط ، وبالأسحار ، وخلف الصلوات ، وفي استقبال الليل والنهار : لأنه فعل السلف . وقد روت عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحيانه " . فأما التلبية في مساجد الجماعات ، فلا يختلف مذهب الشافعي في القديم والجديد ، أن رفع الصوت بها في ثلاثة مساجد منها مسنون :

أحدهما : المسجد الحرام .

والثاني : المصلى بعرفة وهو مسجد إبراهيم .

والثالث : مسجد الخيف بمنى ، فهذه المساجد الثلاثة قد جرت العادة أن يرفع الناس أصواتهم بالتلبية فيها ، فأما ما عداها من مساجد الجماعات ، فإن الشافعي كره في القديم [ ص: 90 ] رفع الصوت بالتلبية فيها : لأنه يؤذي به المصلين والمرابطين ، ثم رجع عن هذا في الجديد ، واستحب رفع الصوت بها في كل مسجد : لأنه ذكر لله تعالى فكانت المساجد أولى البقاع به لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة . وروي أن سعيد بن جبير كان يوقظ الناس في المسجد ، ويقول : لبوا فإني سمعت ابن عباس يقول : " التلبية زينة الحج " .

فأما التلبية في أدبار الصلوات المفروضات مستحبة ، وكذا النوافل بخلاف ما قلنا في تكبير أيام التشريق ، فأما التلبية في الطواف ، فقد كرهها الشافعي في الإملاء للأثر من ابن عمر أنه قال : لا يلبي حوالي البيت ، إلا عطاء والسائب [ وروي عن سفيان بن عيينة ، أنه قال : ما رأيت أحدا يلبي طائفا حول البيت ، إلا عطاء والسائب ، ولأن في الطواف أذكار مسنونة إن لبى فيها تركها .

فإن قيل : ما الأصل في التلبية ؟ قيل : الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجابة دعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قال الله تعالى له : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر [ الحج : 27 ] ، . فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك داعي ربنا لبيك ، قال عثمان بن عفان : فكان أول من أجاب إبراهيم حين أذن في الحج بالتلبية ، أهل اليمن فكان هذا أصلها ، ثم جرى الناس عليها ، ووردت السنة بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية