الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : [ بيان موضع البيع ]

فأما ذكر موضع المبيع ، فيختلف بحسب اختلاف المبيع .

فإن كان المبيع مما لا ينقل كالأرض والعقار ، فلا بد من ذكر البلد الذي فيه ، فيقول : بعتك دارا بالبصرة أو بغداد : لأن بذكر البلد ، يتحقق ذكر الجنس ، ويصير في جملة المعلوم .

فأما ذكر البقعة من البلد ؟ ففيه وجهان :

أحدهما : يلزم ذكرها .

والثاني : لا يلزم ذكرها ؟ لأن البقعة تجري مجرى الصفة .

فأما إن كان المبيع الغائب مما ينقل ويحول كالعبد والثوب ، فلا بد من ذكر البلد الذي هو فيه : لأن القبض يتعجل إن كان البلد قريبا ، ويتأخر إن كان البلد بعيدا ، فافتقر العقد إلى ذكره : ليعلم به تعجيل القبض من تأخيره .

فأما ذكر البقعة من البلد ، فلا يلزم : لأن البلد الواحد لا يختلف أطرافه كالبلاد المختلفة . فإذا ذكر له البلد الذي هو فيه ، فالواجب أن يسلمه إليه في ذلك البلد لا في غيره ، فإن شرط المشتري على البائع أن يسلمه إليه في البلد الذي تبايعا فيه وهو في غيره لم يجز ، وكان البيع فاسدا .

فإذا قيل : أليس لو شرط في السلم أن يسلمه في بلد بعينه جاز ، فهلا جاز مثل ذلك في العين الغائبة ؟ .

[ ص: 22 ] قيل : لأن السلم مضمون في الذمة ، وليس يختص بموضع دون غيره ، فاستوى جميع المواضع فيه ، فافتقر إلى ذكر الموضع الذي يقع القبض فيه ، وليس كذلك العين الغائبة ، لأنها غير مضمونة في الذمة ، وهي معينة قد اختصت بموضع هي فيه فلم يجز اشتراط نقلها إلى غيره : لأنه يصير تبعا وشرطا في معنى بيع ثوب على أنه على البائع خياطته ، أو طعام أن على البائع طحنه .

هل العقد قبل الرؤية تام أم لا ؟

فإذا عقد بيع العين الغائبة على الوصف المشروط فيه .

فقد اختلف أصحابنا هل يكون العقد تاما قبل الرؤية أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أن العقد ليس بتام قبل الرؤية : لأن تمام العقد يكون بالرضا به ، وقبل الرؤية لم يقع الرضا به ، فلم يكن العقد تاما ، فعلى هذا ، لو مات أحدهما بطل العقد ، ولم يقم وارثه مقامه : لأن العقود غير اللازمة ، تبطل بالموت ، وكذلك لو جن أحدهما ، أو حجر عليه بسفه بطل العقد .

وعلى هذا لكل واحد من البائع والمشتري أن يفسخ العقد قبل الرؤية .

والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أن العقد قد تم قبل الرؤية بالبذل والقبول ، وإنما فيه خيار المجلس ما لم يتفرقا ، كسائر البيوع .

فعلى هذا لو مات أحدهما لم يبطل العقد ، وقام وارثه مقامه وكذلك لو جن أحدهما ، أو حجر عليه بسفه ، لم يبطل العقد وقام وليه مقامه .

وعلى هذا ليس لواحد منهما بعد الافتراق وقبل الرؤية أن يفسخ العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية