الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا تبايعا ذلك بغير عين الدنانير والدراهم وتقابضا ، ثم وجد بالدنانير أو ببعض الدراهم عيبا قبل أن يتفرقا أبدل كل واحد منهما صاحبه المعيب . وإن كان بعد التفرق ، ففيه أقاويل : أحدها : أنه كالجواب في العين . والثاني : أنه يبذل المعيب : لأنه بيع صفة أجازها المسلمون إذا قبضت قبل التفرق ، ويشبه أن يكون من حجته كما لو اشترى سلما بصفة ثم قبضه فأصاب به عيبا أخذ صاحبه بمثله ( قال ) وتنوع الصفات غير تنوع الأعيان ومن أجاز بعض الصفقة رد المعيب من الدراهم بحصتها من الدينار ( قال المزني ) إذا كان بيع العين والصفات من الدنانير بالدراهم فيما يجوز بالقبض قبل الافتراق سواء ، وفيما يفسد به البيع من الافتراق قبل القبض سواء لزم أن يكونا في حكم المعيب بعد القبض سواء ، وقد قال يرد الدراهم بقدر حصتها من الدينار " .

قال الماوردي : قد مضى الكلام في الصرف المعين .

فأما المضمون في الذمة فصورته : أن يشتري رجل من صيرفي مائة دينار قاسانية موصوفة بألف درهم حاضرة ، أو موصوفة ، ثم يقبض الدنانير فيجدها معيبة ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يجد بها العيب قبل التفرق ، فله إبدال المعيب لا يختلف . سواء كان [ ص: 142 ] العيب يخرجها من جنس الذهب أم لا ، وسواء كان العيب في جميعها أو في بعضها : لأن القبض ما تضمنه العقد مستحق بالشرط ، واجتماعهما قبل التفرق مانعا من إبرام العقد .

والضرب الثاني : أن يجد بها العيب بعد التفرق ، فلا يخلو حال العيب من أحد أمرين :

إما أن يخرجها من جنس الذهب أو لا يخرجها . فإن كان العيب يخرجها من جنس الذهب بأن كانت تفرقا في الصرف من غير قبض ، فإن كان الكل معيبا استرجع المشتري جميع الثمن ، وإن كان البعض معيبا والباقي سليما بطل الصرف في المعيب وصح الصرف في السليم على الصحيح من المذهب .

وكان أبو إسحاق المروزي يخرجه على قولين من تفريق الصفقة . وليس بصحيح : لأن الفساد طرأ على الصفقة بعد صحتها ، وإنما القولان فيما إذا كان الفساد مقترنا بها .

فإن قيل بتخريج أبي إسحاق إن الصرف في الكل باطل ، استرجع المشتري جميع الثمن .

وإن قيل بجوازه في السليم على الصحيح من المذهب ، كان المشتري بالخيار لتفريق الصفقة عليه بين أن يفسخ الصرف في السليم لبطلانه في المعيب ، ويسترجع جميع الثمن ، وبين أن يمضيه في السليم بحصته من الثمن على الصحيح من المذهب . وكان أبو إسحاق يخرج قولا ثانيا أنه يأخذه بجميع الثمن ، وإلا فسخ على معنى قوله في تفريق الصفقة ، فهذا إذا كان عيبها يخرجها من جنس الذهب .

فصل : فأما إذا كان عيبها لا يخرجها من جنس الذهب فهل له إبدال المعيب أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : ليس له أن يبدل ، واختاره المزني : لأن الصرف يتعين بالقبض كما يتعين بالعقد ، فلما لم يجز أن يبدل ما تعين بالقبض لم يجز أن يبدل ما تعين بالعقد .

ولأنه لو أبدل بعد التفرق لبطل القبض قبل التفرق ، وإذا لم يتم القبض قبل التفرق بطل الصرف ، فكان في إثبات البدل إبطال العقد ، فمنع من البدل ليصح العقد .

ولما ذكره المزني من أنه لما كان الصرف المعين وما في الذمة يستويان في الفساد بالتفرق قبل القبض ويستويان في الصحة بالقبض قبل التفرق ، وجب أن يستويا في حكم المعيب .

فلما لم يجز أن يبدل معيب ما كان معينا ، لم يجز أن يبدل معيب ما كان في الذمة .

والقول الثاني : له أن يبدل . وهو قول أبي حنيفة .

لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز إبداله مع صحة العقد بعد التفرق كالسلم وكما أن ما [ ص: 143 ] لم يجز إبداله قبل التفرق من المعين لم يجز إبداله بعد التفرق . وبهذا ينتقض ما ذكره المزني : ولأنه مضمون في الذمة فجاز إبدال معيبه مع صحة عقده اعتبارا بما قبل التفرق .

فإن قيل : له البدل ، أبدل المعيب ولا خيار له في الفسخ .

وإذا قيل : ليس له البدل ، كان حكمه كالمعين إذا كان عيبه من جنسه في اعتبار حال المعيب .

فإن كان جميع الدنانير كان مخيرا بين إمضاء العقد في جميعها من غير أرش والفسخ .

وإن كان المعيب بعض الدنانير فإن أمضى في الكل جاز ، وإن فسخ في الكل جاز ، وإن أمضى في السليم وفسخ في المعيب فعلى قولين من تفريق الصفقة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية