الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو راطل مائة دينار عتق مروانية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار من ضرب وسط خير من المكروه ودون المروانية لم يجز : لأني لم أر بين أحد ممن لقيت من أهل العلم اختلافا في أن ما جمعته الصفقة من عبد ودار أن الثمن مقسوم على كل واحد منهما بقدر قيمته من الثمن ، فكان قيمة الجيد من الذهب أكثر من الرديء ، والوسط أقل من الجيد ، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . لا يجوز بيع مائة دينار من جيد الدنانير ومائة دينار من رديء الدنانير ، بمائتي دينار من وسط الدنانير التي هي دون الجيد وفوق الرديء .

                                                                                                                                            وكذا لا يجوز ذهب جيد وذهب رديء بذهب جيد ، ولا بذهب رديء ، وكذا الفضة مثلها .

                                                                                                                                            ولا يجوز بيع الدراهم الصحاح والدراهم الغلة ، بالدراهم الصحاح ولا بالغلة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة بجواز هذا كله : احتجاجا بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل . والمماثلة في هذا موجودة .

                                                                                                                                            قال : ولأنه لما جاز بيع الذهب الجيد بالذهب الرديء لتماثلها في الوزن مع تفاضلهما في القيمة ، فأولى أن يجوز بيع الذهب الجيد والذهب الرديء بالذهب الوسط لتماثلهما في الوزن ، وإن جاز أن يتفاضلان في القيمة .

                                                                                                                                            قال : ولأن المماثلة معتبرة ، وليس يخلو أن تكون معتبرة من حيث القيمة ، أو من حيث الوزن . فلما بطل أن تكون معتبرة من جهة القيمة : لأنه لو باعه دينارا قيمته عشرون درهما بدينار قيمته عشرة دراهم جاز أن يتساوى الوزن مع تفاضل القيمة ، ولو باعه دينارا قيمته عشرون درهما بدينارين قيمتهما عشرون درهما ، لم يجز تفاضل الوزن مع تماثل القيمة .

                                                                                                                                            [ ص: 144 ] ثبت أن المعتبر التماثل من جهة الوزن دون القيمة ، وقد تماثل الوزنان في الذهب الجيد والرديء بالذهب الوسط فوجب أن يجوز .

                                                                                                                                            والدلالة عليه ما قدمناه معه في بيع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة : لأن تلك أصل لهذه المسألة ، ثم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل . فاقتضى ذلك المماثلة في القدر والقيمة إلا ما خصه إجماع أو دليل . ولما ذكرناه من أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفين كان الثمن مقسطا على قيمتها دون عددهما .

                                                                                                                                            فإذا باعه مائة دينار من ذهب جيد يساوي ألفي درهم ، ومائة دينار من ذهب رديء يساوي ألف درهم ، بمائتي دينار من ذهب وسط تساوي ثلاثة آلاف درهم ، كان مائة دينار من الذهب الوسط في مقابلة أقل من مائة دينار من الذهب الجيد ، والمائة الأخرى في مقابلة أكثر من مائة دينار من الذهب الرديء ، فأدى ذلك إلى التفاضل في بيع الذهب بالذهب ، وذلك حرام ، وكان هذا بخلاف ما لو باعه مائة دينار من ذهب جيد بمائة دينار من ذهب رديء من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المقصود في بيع الجيد بالرديء مع تساوي القدر المسامحة دون المعاينة ، وليس كذلك إذا قابل نوعين .

                                                                                                                                            والثاني : أن الصفقة في بيع الجيد بالرديء قابلت نوعا واحدا فقسط الثمن على الأجزاء لا على القيمة .

                                                                                                                                            ألا ترى أنه إذا باع دينارا قيمته عشرة بدينار قيمته عشرون ، فنصف الدينار وإن كان قيمته خمسة في مقابلة نصف الدينار وإن كان قيمته عشرة .

                                                                                                                                            وليس كذلك إذا كان مقابلا بنوعين : لأنه يؤدي إلى التفاضل على الوجه الذي بيناه ، فأما الجواب عن قوله : إن الاعتبار إما أن يكون بالمماثلة في القدر أو القيمة ، فلما بطل اعتبار المماثلة في القيمة ثبت اعتبار المماثلة في القدر .

                                                                                                                                            فهو أن يقال : الاعتبار بالمماثلة في القدر ما لم يكن الثمن مقسطا على القيمة .

                                                                                                                                            فأما إذا كان الثمن مقسطا على القيمة لاختلاف الأنواع فلا اعتبار بالمماثلة في القدر .

                                                                                                                                            فصل : فأما إذا باعه مائة درهم صحاحا ومائة درهم غلة ، بمائة درهم صحاح ومائة غلة ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يختلف جوهر الصحاح من هذا العوض بالصحاح من هذا العوض ، أو جوهر الغلة من هذا العوض ، فيكون الصرف باطلا لما ذكرنا .

                                                                                                                                            والثاني : ألا يختلف . فعلى وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 145 ] أحدهما : جائز لتساوي العوضين .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجوز ، للتعليل المتقدم .

                                                                                                                                            فصل : وعلى قياس ما ذكرنا ، لا يجوز بيع ذهب مع آخر من جوهر ، أو لؤلؤ ، أو سيف ، أو غير ذلك بذهب ، لحديث فضالة بن عبيد المقدم ذكره .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان الذهب الذي مع الجوهر أقل من الذهب الذي هو الثمن جاز ، ليكون الفاضل من الذهب الثمن في مقابلة الجوهر .

                                                                                                                                            وإن كانا مثلين لم يجز .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن كان الذهب الذي مع الجوهر أقل من ثلث الثمن جاز ، وإن كان الثلث فصاعدا لم يجز . وفيما ذكرنا دليل كاف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية