[ ص: 320 ] مسألة : قال  
الشافعي      : " وغمس الذباب في الإناء ليس يقتله والذباب لا يؤكل فإن مات ذباب أو خنفساء أو نحوهما في إناء نجسه ( وقال في موضع آخر ) إن وقع في الماء الذي ينجسه مثله إذا كان مما له نفس سائلة ( قال  
المزني      ) هذا أولى بقول العلماء وقوله معهم أولى به من انفراده عنهم " .  
قال  
الماوردي      : اعلم أن الحيوان كله ضربان :  
ضرب : له نفس سائلة كالدواب والبهائم والعصافير وسائر الطير وسيلان نفسه هو جريان دمه ، فإذا مات كان نجسا إلا ابن آدم على ما سنذكره ، فإذا مات في مائع أو ماء قليل صار نجسا .  
والضرب الثاني :  
ما لا نفس له سائلة  ، وهو ضربان مأكول وغير مأكول ، فأما المأكول كالحوت والجراد فسنذكرهما ونذكر ما ماتا فيه ، وأما غير المأكول فكالذباب والخنافس والزنابير والديدان والعقارب والحيات وما شاكله مما لا تسيل نفسه ، ولا يجري دمه فكله إذا مات نجس ، وأكله حرام سواء تولد في طعام أو شراب كدود النحل والفاكهة أم لا ، كالزنابير والعقارب . وقال  
مالك   وداود   كل ذلك طاهر وأكله حلال ، وقال  
أبو حنيفة      : كله طاهر وأكله حرام ، وقال بعض أصحابنا من فقهاء  
خراسان   ما تولد من طعام أو شراب  فهو طاهر ، وأكله حلال ، وما لم يتولد منه فهو نجس وأكله حرام ، واستدل من قال بطهارته بأن ما لا نفس له سائلة يستوي حكم موته وحياته كالحوت والجراد ، قياسا مطردا ، والدواب والبهائم .  
قلنا : منعكسا ، ولأن ما لا نفس له سائلة أحد نوعي الحيوان فوجب أن يستوي حكم مأكوله وغير مأكوله بعد الموت قياسا على ما لا نفس له سائلة .  
ودليلنا قوله تعالى :  
قل لا أجد فيما أوحي إلي     [ الأنعام : 145 ] إلى قوله :  
إلا أن يكون ميتة  فكان قوله :  
إلا أن يكون ميتة  دليل على تحريمه ، وقوله :  
فإنه رجس  دليل على تنجيسه ، ولأن تفويت الروح إذا لم يقترن به جواز البيع مع عدم الحرمة أوجب التنجيس ، وتحريم الأكل قياسا على موت ما له نفس سائلة : ولأن كل تحريم تعلق بموت ما له نفس سائلة تعلق بموت نوع ما لا نفس له قياسا على تحريم البيع ، ولأنه أحد نوعي الحيوان فوجب أن يتنوع مأكولا وغير مأكول ، قياسا على ما له نفس سائلة .  
وأما الجواب عن تسويتهم بين موته وحياته كالجراد والحوت فمن وجهين :  
أحدهما : أن الشرع مانع من التسوية بين موت الحيوان وحياته كالذي [ لا نفس له ] سائلة .   
[ ص: 321 ] والثاني : أن الشرع بتخصيص الحوت والجراد بعد الحظر مانع من أن يقاس عليه ما لا نفس له سائلة كما صح أن تقاس عليه ما له نفس سائلة .  
وأما الجواب عن تسويتهم بين موت المأكول وغير المأكول ، قياسا على ما له نفس سائلة ، فهو أن موت ما له نفس سائلة لما استوى حكم جميعه في تحريم البيع استوى حكم جميعه في التنجيس بعد الموت ، وما لا نفس له سائلة لما اختلف حكمه في جواز البيع ، اختلف حاله في التنجيس وتحريم الأكل .