الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 320 ] مسألة : قال الشافعي : " وغمس الذباب في الإناء ليس يقتله والذباب لا يؤكل فإن مات ذباب أو خنفساء أو نحوهما في إناء نجسه ( وقال في موضع آخر ) إن وقع في الماء الذي ينجسه مثله إذا كان مما له نفس سائلة ( قال المزني ) هذا أولى بقول العلماء وقوله معهم أولى به من انفراده عنهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الحيوان كله ضربان :

                                                                                                                                            ضرب : له نفس سائلة كالدواب والبهائم والعصافير وسائر الطير وسيلان نفسه هو جريان دمه ، فإذا مات كان نجسا إلا ابن آدم على ما سنذكره ، فإذا مات في مائع أو ماء قليل صار نجسا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما لا نفس له سائلة ، وهو ضربان مأكول وغير مأكول ، فأما المأكول كالحوت والجراد فسنذكرهما ونذكر ما ماتا فيه ، وأما غير المأكول فكالذباب والخنافس والزنابير والديدان والعقارب والحيات وما شاكله مما لا تسيل نفسه ، ولا يجري دمه فكله إذا مات نجس ، وأكله حرام سواء تولد في طعام أو شراب كدود النحل والفاكهة أم لا ، كالزنابير والعقارب . وقال مالك وداود كل ذلك طاهر وأكله حلال ، وقال أبو حنيفة : كله طاهر وأكله حرام ، وقال بعض أصحابنا من فقهاء خراسان ما تولد من طعام أو شراب فهو طاهر ، وأكله حلال ، وما لم يتولد منه فهو نجس وأكله حرام ، واستدل من قال بطهارته بأن ما لا نفس له سائلة يستوي حكم موته وحياته كالحوت والجراد ، قياسا مطردا ، والدواب والبهائم .

                                                                                                                                            قلنا : منعكسا ، ولأن ما لا نفس له سائلة أحد نوعي الحيوان فوجب أن يستوي حكم مأكوله وغير مأكوله بعد الموت قياسا على ما لا نفس له سائلة .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : قل لا أجد فيما أوحي إلي [ الأنعام : 145 ] إلى قوله : إلا أن يكون ميتة فكان قوله : إلا أن يكون ميتة دليل على تحريمه ، وقوله : فإنه رجس دليل على تنجيسه ، ولأن تفويت الروح إذا لم يقترن به جواز البيع مع عدم الحرمة أوجب التنجيس ، وتحريم الأكل قياسا على موت ما له نفس سائلة : ولأن كل تحريم تعلق بموت ما له نفس سائلة تعلق بموت نوع ما لا نفس له قياسا على تحريم البيع ، ولأنه أحد نوعي الحيوان فوجب أن يتنوع مأكولا وغير مأكول ، قياسا على ما له نفس سائلة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن تسويتهم بين موته وحياته كالجراد والحوت فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الشرع مانع من التسوية بين موت الحيوان وحياته كالذي [ لا نفس له ] سائلة .

                                                                                                                                            [ ص: 321 ] والثاني : أن الشرع بتخصيص الحوت والجراد بعد الحظر مانع من أن يقاس عليه ما لا نفس له سائلة كما صح أن تقاس عليه ما له نفس سائلة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن تسويتهم بين موت المأكول وغير المأكول ، قياسا على ما له نفس سائلة ، فهو أن موت ما له نفس سائلة لما استوى حكم جميعه في تحريم البيع استوى حكم جميعه في التنجيس بعد الموت ، وما لا نفس له سائلة لما اختلف حكمه في جواز البيع ، اختلف حاله في التنجيس وتحريم الأكل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية