الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن وقع في الماء القليل ما لا يختلط به مثل العنبر أو العود أو الدهن الطيب ، فلا بأس به ، لأنه ليس مخوضا به " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، لما ذكر الشافعي حكم النجاسة إذا وقعت في الماء ذكر بعده حكم الأشياء الطاهرة إذا وقعت وجملة ما وقع في الماء الأشياء الطاهرة ضربان : مائع وجامد ، فالمائع ضربان : ضرب يتميز عن الماء كالدهن فالماء مطهر سواء تغير أو لم يتغير : لأن الدهن لا يختلط بالماء وإنما يجاوره وتغيير المجاورة لا يغير حكما ، ألا ترى لو أن ماء في إناء جاورته ميتة فتغير برائحتها لم ينجس .

[ ص: 344 ] والضرب الثاني : أن لا يتميز عن الماء كالخل واللبن فينظر حال الماء فإن غير المائع لونه أو طعمه أو رائحته فهو غير مطهر : لغلبته عليه ، وإن لم يغيره ، نظر فإن كان المائع أقل من الماء كان الماء مطهرا : لغلبته بالكثرة ، وإن كان المائع أكثر من الماء فالماء غير مطهر لغلبة المائع عليه بكثرته ، وأما الجامد فضربان : مذرور ، وغير مذرور ، فإن كان غير مذرور كالعود والصندل وغيره من ذي ريح ذكي أو غير ذكي فالماء مطهر ، وإن تغير به ، لأنه تغير عن مجاورة ، وإن كان مذرورا كالزعفران والعصفر والحنا فإن تغير به لون الماء أو طعمه أو رائحته لأن تغييره لاختلاط ممازجة ، وإن لم يتغير لون الماء ولا طعمه ولا رائحته فهو مطهر ، ويجوز استعماله ما لم ينجس به الماء ، ويخرج عن طعمه في الرقة والصفا ، ولا فرق فيما ذكرنا من مخالطة الطاهرات بالماء بين أن يكون قلتين أو أقل بخلاف النجاسة . والفرق بين اعتبار القلتين في النجاسة ، وترك اعتبارهما في مخالطة الأشياء الطاهرة من ثلاثة أشياء : أحدها : أن النجاسات لما سلبت الماء صفتيه في الطهارة والتطهير ضعف قليل الماء عن دفعها حتى يكثر ، ولما كانت المائعات تسلب الماء التطهير دون الطهارة قوي قليل الماء على دفعها وإن لم يكثر .

والثاني : أن حكم النجاسات لما تعدى إلى غير الماء تغلظ حكمها في الماء ولم يتعد حكم المائعات إلى غير الماء ضعف حكمها في الماء .

والثالث : أن التحرز من المائعات متعذر ، فخف حكمهما في مخالطة الماء ، والتحرز من النجاسة أمكن فغلظ حكمها في مخالطة الماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية