الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن وقع في الماء القليل ما لا يختلط به مثل العنبر أو العود أو الدهن الطيب ، فلا بأس به ، لأنه ليس مخوضا به " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، لما ذكر الشافعي حكم النجاسة إذا وقعت في الماء ذكر بعده حكم الأشياء الطاهرة إذا وقعت وجملة ما وقع في الماء الأشياء الطاهرة ضربان : مائع وجامد ، فالمائع ضربان : ضرب يتميز عن الماء كالدهن فالماء مطهر سواء تغير أو لم يتغير : لأن الدهن لا يختلط بالماء وإنما يجاوره وتغيير المجاورة لا يغير حكما ، ألا ترى لو أن ماء في إناء جاورته ميتة فتغير برائحتها لم ينجس .

                                                                                                                                            [ ص: 344 ] والضرب الثاني : أن لا يتميز عن الماء كالخل واللبن فينظر حال الماء فإن غير المائع لونه أو طعمه أو رائحته فهو غير مطهر : لغلبته عليه ، وإن لم يغيره ، نظر فإن كان المائع أقل من الماء كان الماء مطهرا : لغلبته بالكثرة ، وإن كان المائع أكثر من الماء فالماء غير مطهر لغلبة المائع عليه بكثرته ، وأما الجامد فضربان : مذرور ، وغير مذرور ، فإن كان غير مذرور كالعود والصندل وغيره من ذي ريح ذكي أو غير ذكي فالماء مطهر ، وإن تغير به ، لأنه تغير عن مجاورة ، وإن كان مذرورا كالزعفران والعصفر والحنا فإن تغير به لون الماء أو طعمه أو رائحته لأن تغييره لاختلاط ممازجة ، وإن لم يتغير لون الماء ولا طعمه ولا رائحته فهو مطهر ، ويجوز استعماله ما لم ينجس به الماء ، ويخرج عن طعمه في الرقة والصفا ، ولا فرق فيما ذكرنا من مخالطة الطاهرات بالماء بين أن يكون قلتين أو أقل بخلاف النجاسة . والفرق بين اعتبار القلتين في النجاسة ، وترك اعتبارهما في مخالطة الأشياء الطاهرة من ثلاثة أشياء : أحدها : أن النجاسات لما سلبت الماء صفتيه في الطهارة والتطهير ضعف قليل الماء عن دفعها حتى يكثر ، ولما كانت المائعات تسلب الماء التطهير دون الطهارة قوي قليل الماء على دفعها وإن لم يكثر .

                                                                                                                                            والثاني : أن حكم النجاسات لما تعدى إلى غير الماء تغلظ حكمها في الماء ولم يتعد حكم المائعات إلى غير الماء ضعف حكمها في الماء .

                                                                                                                                            والثالث : أن التحرز من المائعات متعذر ، فخف حكمهما في مخالطة الماء ، والتحرز من النجاسة أمكن فغلظ حكمها في مخالطة الماء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية