الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إن فسر فلا يخلو حال تفسيره من أحد أمرين :

إما أن يفسر بما تثبت عليه اليد .

أو بما لا تثبت عليه اليد .

فإن فسر بما لا تثبت عليه اليد كقوله : أردت شمسا ، أو قمرا ، أو كوكبا ، أو ريحا ، أو نارا ، لم يكن شيء من ذلك مفسرا ، وكذا لو فسره بتافه حقير كتمرة ، أو لقمة لم يكن مفسرا ؛ لأنه وإن كان اسم الشيء عليه منطلقا فهو مما لا يستحق به مطالبة ، ولا يتوجه إليه إقرار لأمرين : أحدهما : ارتفاع اليد عنه .

والثاني : مساواة الجميع فيه .

وإن فسره بما تثبت عليه اليد ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون مالا .

والثاني : غير مال .

فإن فسره بما يكون مالا كتفسيره ذلك بالدراهم ، والدنانير ، والبر ، والشعير ، والدور ، والعقار ، والعروض ، والسلع فهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون موافقا لجنس الدعوى .

والثاني : أن يكون مخالفا .

فإن كان موافقا لجنس الدعوى مثل أن يكون عليه دراهم فيفسر الشيء بالدراهم ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون موافقا لقدر الدعوى مثل أن تكون الدعوى عليه مائة درهم فيفسر الشيء بمائة درهم ، فهذا مقر بجميع الدعوى ومصدق عليها فصار مصدقا في تفسيره .

والضرب الثاني : أن يكون غير موافق لقدر الدعوى مثل أن تكون الدعوى عليه مائة [ ص: 12 ] درهم فيفسر الشيء بخمسين درهما فيحكم عليه بالقدر الذي فسره ويحلف على باقي الدعوى الذي أنكره .

فإن كان مخالفا لجنس الدعوى مثل أن تكون الدعوى عليه دراهم فيفسر الشيء بالدنانير فيقال للمدعي : هل تدعي عليه ما فسره من الدنانير أم لا ؟ فإن قال : أنا أدعيها وأدعي الدراهم ، حكم له بالدنانير التي فسرها المقر وأحلف له على ما ادعاه من الدراهم . وإن قال : لست أدعي الدنانير ، لم يحكم على المقر بها وأحلف المقر على ما ادعاه المدعي من الدراهم .

وإن كان المدعي صدقه على أنه أراد بالشيء ما فسره من الدنانير ولكن قال هو غير ما ادعيت أحلف المقر بالله ما يستحق عليه ما ادعاه عليه من الدراهم .

وإن قال : بل أراد بالشيء الذي أقر به ما ادعيته من الدراهم ولكن كذب في التفسير حلف المقر بالله ما أراد بالشيء الذي أقر به الدراهم التي ادعيت عليه بها .

فأما إذا فسر الشيء بما ليس بمال مثل أن يفسره بخمر ، أو خنزير ، أو كلب ، أو جلد ميتة ففي قبول هذا التفسير منه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مقبول ويسأل عنه المدعي على ما مضى ؛ لأنه مع انطلاق الشيء عليه مما تمتد إليه اليد .

والوجه الثاني : أنه غير مقبول في التفسير ؛ لأنه ليس بمال ويكون كمن لم يفسر .

والوجه الثالث : أنه إن كان مما تقر عليه اليد ويجوز الانتفاع به كالكلب وجلد الميتة كان مفسرا به ؛ لأن الدعوى قد تصح أن يتوجه إليه .

وإن كان مما لا تقر عليه اليد ، ولا يجوز الانتفاع به كالخمر ، والخنزير لم يكن به مفسرا ؛ لأن الدعوى لا تصح أن يتوجه إليه . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية