الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إن فسر فلا يخلو حال تفسيره من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يفسر بما تثبت عليه اليد .

                                                                                                                                            أو بما لا تثبت عليه اليد .

                                                                                                                                            فإن فسر بما لا تثبت عليه اليد كقوله : أردت شمسا ، أو قمرا ، أو كوكبا ، أو ريحا ، أو نارا ، لم يكن شيء من ذلك مفسرا ، وكذا لو فسره بتافه حقير كتمرة ، أو لقمة لم يكن مفسرا ؛ لأنه وإن كان اسم الشيء عليه منطلقا فهو مما لا يستحق به مطالبة ، ولا يتوجه إليه إقرار لأمرين : أحدهما : ارتفاع اليد عنه .

                                                                                                                                            والثاني : مساواة الجميع فيه .

                                                                                                                                            وإن فسره بما تثبت عليه اليد ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مالا .

                                                                                                                                            والثاني : غير مال .

                                                                                                                                            فإن فسره بما يكون مالا كتفسيره ذلك بالدراهم ، والدنانير ، والبر ، والشعير ، والدور ، والعقار ، والعروض ، والسلع فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون موافقا لجنس الدعوى .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون مخالفا .

                                                                                                                                            فإن كان موافقا لجنس الدعوى مثل أن يكون عليه دراهم فيفسر الشيء بالدراهم ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون موافقا لقدر الدعوى مثل أن تكون الدعوى عليه مائة درهم فيفسر الشيء بمائة درهم ، فهذا مقر بجميع الدعوى ومصدق عليها فصار مصدقا في تفسيره .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون غير موافق لقدر الدعوى مثل أن تكون الدعوى عليه مائة [ ص: 12 ] درهم فيفسر الشيء بخمسين درهما فيحكم عليه بالقدر الذي فسره ويحلف على باقي الدعوى الذي أنكره .

                                                                                                                                            فإن كان مخالفا لجنس الدعوى مثل أن تكون الدعوى عليه دراهم فيفسر الشيء بالدنانير فيقال للمدعي : هل تدعي عليه ما فسره من الدنانير أم لا ؟ فإن قال : أنا أدعيها وأدعي الدراهم ، حكم له بالدنانير التي فسرها المقر وأحلف له على ما ادعاه من الدراهم . وإن قال : لست أدعي الدنانير ، لم يحكم على المقر بها وأحلف المقر على ما ادعاه المدعي من الدراهم .

                                                                                                                                            وإن كان المدعي صدقه على أنه أراد بالشيء ما فسره من الدنانير ولكن قال هو غير ما ادعيت أحلف المقر بالله ما يستحق عليه ما ادعاه عليه من الدراهم .

                                                                                                                                            وإن قال : بل أراد بالشيء الذي أقر به ما ادعيته من الدراهم ولكن كذب في التفسير حلف المقر بالله ما أراد بالشيء الذي أقر به الدراهم التي ادعيت عليه بها .

                                                                                                                                            فأما إذا فسر الشيء بما ليس بمال مثل أن يفسره بخمر ، أو خنزير ، أو كلب ، أو جلد ميتة ففي قبول هذا التفسير منه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه مقبول ويسأل عنه المدعي على ما مضى ؛ لأنه مع انطلاق الشيء عليه مما تمتد إليه اليد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه غير مقبول في التفسير ؛ لأنه ليس بمال ويكون كمن لم يفسر .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنه إن كان مما تقر عليه اليد ويجوز الانتفاع به كالكلب وجلد الميتة كان مفسرا به ؛ لأن الدعوى قد تصح أن يتوجه إليه .

                                                                                                                                            وإن كان مما لا تقر عليه اليد ، ولا يجوز الانتفاع به كالخمر ، والخنزير لم يكن به مفسرا ؛ لأن الدعوى لا تصح أن يتوجه إليه . والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية