الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 115 ] كتاب العارية

قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل عارية مضمونة على المستعير وإن تلفت من غير فعله . استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفوان سلاحه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - عارية مضمونة مؤداة وقال من لا يضمن العارية فإن قلنا إذا اشترط المستعير الضمان ضمن قلت إذا تترك قولك قال وأين ؟ قلت ما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع ، أو المضارب الضمان أهو ضامن ؟ قال لا يكون ضامنا قلت فإن اشترط على المستسلف أنه غير ضامن أيبرأ ؟ قال لا قلت ويرد ما ليس بمضمون إلى أصله ، وما كان مضمونا إلى أصله ويبطل الشرط فيهما ؟ قال نعم قلت وكذلك ينبغي أن تقول في العارية وكذلك شرط النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يشترط أنها مضمونة لما لا يضمن قال فلم شرط ؟ قلت لجهالة صفوان به ؛ لأنه كان مشركا لا يعرف الحكم ولو عرفه ما ضره شرطه له قال فهل قال هذا أحد قلت في هذا كفاية ، وقد قال ابن عباس وأبو هريرة إن العارية مضمونة " .

قال الماوردي : وأما العارية فهي عقد معونة وإرفاق جاء الشرع بها وندب الناس إليها قال الله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة : 2 ] ، والعارية من البر . قال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس [ النساء : 114 ] . والعارية من المعروف وقال تعالى : ويمنعون الماعون [ الماعون : 7 ] .

وروى ابن أبي النجود عن شقيق عن عمر بن مسعود - رضي الله عنه - قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارية الدلو ، والقدر . واختلف المفسرون في الماعون على خمس تأويلات أحدها ما قاله ابن مسعود ، والثاني أنه المعروف . وهذا هو قول محمد بن [ ص: 116 ] كعب القرظي ، والثالث أنه المال بلسان قريش وهذا قول ابن المسيب ، والزهري ، والرابع أنه الزكاة وهو قول علي وابن عمر - رضي الله عنهما - ومنه قول لبيد الراعي :


قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا



والخامس أنه المنافع وهو قول أبي جعفر الحميري استشهد عليه بقول أعشى بن ثعلبة :


بأجود منه بماعونه     إذا ما سماؤهم لم تغم



وروى إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم قال سمعت أبا أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : العارية مؤداة ، والمنحة مردودة ، والدين مقضي مضمون ، والزعيم غارم . وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة بقاع قرقر فتطأه بخفافها كلما مضت أخراها عادت عليه أولاها قيل فما حقها فما حق الإبل ؟ قال : يعطي الكريمة ويمنح العزيرة ويعقر الظهر ويطرق الفحل ويسقي اللبن . وروي أنه قال من حقها إعارة دلوها وإطراق فحلها ومنحة لبنها يوم وردها فدل ما ذكرناه من ذلك على إباحة العارية ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية