الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الوصية إذا ردها ، فللموصى له في ردها أربعة أحوال :

أحدها : أن يردها في حياة الموصي ، فلا يكون لرده تأثير كما لا يكون لقبوله له لو قبل في هذه الحال تأثيرا ، وخالف فيه خلافا يذكره بعد .

والحال الثانية : أن يردها بعد موت الموصي وقبل قبوله ، فالرد صحيح قد أبطل الوصية ورد ذلك إلى التركة ولا يعتبر فيه قبول الورثة ويكونوا فيه على فرائضهم .

فإن قال : رددت ذلك لفلان .

قال الشافعي في الأم : احتمل ذلك معنيين :

أحدهما وهو أظهرهما : أن يريد لرضا فلان ، أو لكرامة فلان ، فإن أراد ذلك ، صح الرد وبطلت الوصية وعادت إلى التركة .

والثاني : أن يريد بالرد لفلان هبتها له ، فلا تصح هبته لها قبل القبول ؛ لأنه لم يملكها بعد .

ولو قبلها ، صح إذا وجدت فيها شروط الهبة ، ولا يكون فساد هذه الهبة مبطلا للوصية ومانعا من قبولها ؛ لأن هبته لها إنما اقتضت زوال الملك بعد دخولها فيه .

والحال الثالثة : أن يردها بعد قبول الوصية وقبل قبضها ، ففيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه لا تصح إلا بلفظ الهبة إيجابا وقبولا ، لدخول الوصية في ملكه بالقبول .

فعلى هذا تعود الوصية للورثة خصوصا دون أهل الدين والوصايا ويكون الذكر والأنثى فيها سواء ؛ لأنها هبة لهم محضة .

والوجه الثاني : أنه يصح ردها بلفظ الرد دون الهبة ، لكن لا يتم إلا بالقبول ، لأنها وإن دخلت في ملكه فهي كالإقالة .

وإن كان ملك المشتري فيها ثابتا فإنه ينتقل بغير لفظ الهبة ، لكن لا بد فيها من قبول ، كذلك الوصية بعد القبول .

فعلى هذا تعود بعد الرد والقبول تركة ، يجري فيها حكم الدين والوصايا وفرائض الورثة .

والوجه الثالث : أنها تصح بالرد من غير قبول ؛ لأنها وإن كانت ملكا للموصى له بقبولها فملكه لها قبل القبض غير منبرم ، فجرت مجرى الوقف إذا رده الموقوف عليه بعد قبوله وقبل قبضه ، [ ص: 263 ] صح رده ولم يفتقر الرد إلى القبول وإن كان ملكا ، ثم تكون الوصية بعد الرد تركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية