الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما الوصية إذا ردها ، فللموصى له في ردها أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يردها في حياة الموصي ، فلا يكون لرده تأثير كما لا يكون لقبوله له لو قبل في هذه الحال تأثيرا ، وخالف فيه خلافا يذكره بعد .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يردها بعد موت الموصي وقبل قبوله ، فالرد صحيح قد أبطل الوصية ورد ذلك إلى التركة ولا يعتبر فيه قبول الورثة ويكونوا فيه على فرائضهم .

                                                                                                                                            فإن قال : رددت ذلك لفلان .

                                                                                                                                            قال الشافعي في الأم : احتمل ذلك معنيين :

                                                                                                                                            أحدهما وهو أظهرهما : أن يريد لرضا فلان ، أو لكرامة فلان ، فإن أراد ذلك ، صح الرد وبطلت الوصية وعادت إلى التركة .

                                                                                                                                            والثاني : أن يريد بالرد لفلان هبتها له ، فلا تصح هبته لها قبل القبول ؛ لأنه لم يملكها بعد .

                                                                                                                                            ولو قبلها ، صح إذا وجدت فيها شروط الهبة ، ولا يكون فساد هذه الهبة مبطلا للوصية ومانعا من قبولها ؛ لأن هبته لها إنما اقتضت زوال الملك بعد دخولها فيه .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يردها بعد قبول الوصية وقبل قبضها ، ففيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه لا تصح إلا بلفظ الهبة إيجابا وقبولا ، لدخول الوصية في ملكه بالقبول .

                                                                                                                                            فعلى هذا تعود الوصية للورثة خصوصا دون أهل الدين والوصايا ويكون الذكر والأنثى فيها سواء ؛ لأنها هبة لهم محضة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يصح ردها بلفظ الرد دون الهبة ، لكن لا يتم إلا بالقبول ، لأنها وإن دخلت في ملكه فهي كالإقالة .

                                                                                                                                            وإن كان ملك المشتري فيها ثابتا فإنه ينتقل بغير لفظ الهبة ، لكن لا بد فيها من قبول ، كذلك الوصية بعد القبول .

                                                                                                                                            فعلى هذا تعود بعد الرد والقبول تركة ، يجري فيها حكم الدين والوصايا وفرائض الورثة .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنها تصح بالرد من غير قبول ؛ لأنها وإن كانت ملكا للموصى له بقبولها فملكه لها قبل القبض غير منبرم ، فجرت مجرى الوقف إذا رده الموقوف عليه بعد قبوله وقبل قبضه ، [ ص: 263 ] صح رده ولم يفتقر الرد إلى القبول وإن كان ملكا ، ثم تكون الوصية بعد الرد تركة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية