الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال المزني : " ( وقال ) في الإملاء يلحق الميت من فعل غيره ثلاث : حج يؤدى ، ومال يتصدق به عنه ، أو دين يقضى ودعاء ، أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج عن الميت وندب الله تعالى إلى الدعاء وأمر به رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، فإذا جاز له الحج حيا جاز له ميتا وكذلك ما تطوع به عنه من صدقة " .

قال الماوردي : وذهب قوم من أهل الكوفة ، إلى أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب استدلالا بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولأنه لما لم يجز أن يلحقه الإيمان إذا مات كافرا ، بإيمان غيره عنه ، لم يجز أن يلحقه ثواب فعل غيره عنه .

وذهب بعض الفقهاء إلى أن الميت قد يلحقه الثواب بفعل غيره على ما سنصفه لقوله [ ص: 299 ] تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب : 56 ] .

فأمر الله تعالى بالصلاة على نبيه ولا يجوز أن يأمر بما لا يقبله من الدعاء .

وقال الله تعالى : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] .

فلولا تأثير هذا الدعاء عنده لما ندب إليه .

وروى سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن ، رواه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .

وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنه - : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن أمي اقتتلت نفسها ولولا ذلك لتصدقت وأعطيت ، أفيجز لي أن أتصدق عنها ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : نعم فتصدقي عنها .

قولها : اقتتلت نفسها ، أي : ماتت فلتة من غير وصية .

وروى عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي توفيت ، أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : نعم ، قال : فإن لي لمخرفا وأشهدك أني قد تصدقت به عنها .

ولأن الصلاة على الميت واجبة علينا وهي دعاء له ، فاقتضى أن يكون الدعاء لاحقا به ، مسموعا منه في صلاة وغير صلاة .

ولأنه لما لحق الميت قضاء الديون عنه حتى لا يكون مؤاخذا بها ومعاقبا عليها ولعله لم يجز ذلك حين جاز في الصدقة وإن لم يوص به حيا .

فأما قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] فيحتمل أن يكون معناه : وأن ليس على الإنسان . كما قال تعالى : وإن أسأتم فلها [ الإسراء : 7 ] أي فعليها ، على أن ما مات عن غيره فيه ، جاز أن يكون في حكم ما يسعى في قصده .

وأما الإيمان فإنه لا تصح النيابة فيه عن الحي ، فكذلك عن الميت وليس كالصدقة ، على أنه قد يتيسر حكم الإيمان عن الإنسان إلى غيره ، كما يكون الأب متيسرا إلى صغار ولده .

التالي السابق


الخدمات العلمية