الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني : " ( وقال ) في الإملاء يلحق الميت من فعل غيره ثلاث : حج يؤدى ، ومال يتصدق به عنه ، أو دين يقضى ودعاء ، أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج عن الميت وندب الله تعالى إلى الدعاء وأمر به رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، فإذا جاز له الحج حيا جاز له ميتا وكذلك ما تطوع به عنه من صدقة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وذهب قوم من أهل الكوفة ، إلى أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب استدلالا بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولأنه لما لم يجز أن يلحقه الإيمان إذا مات كافرا ، بإيمان غيره عنه ، لم يجز أن يلحقه ثواب فعل غيره عنه .

                                                                                                                                            وذهب بعض الفقهاء إلى أن الميت قد يلحقه الثواب بفعل غيره على ما سنصفه لقوله [ ص: 299 ] تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب : 56 ] .

                                                                                                                                            فأمر الله تعالى بالصلاة على نبيه ولا يجوز أن يأمر بما لا يقبله من الدعاء .

                                                                                                                                            وقال الله تعالى : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] .

                                                                                                                                            فلولا تأثير هذا الدعاء عنده لما ندب إليه .

                                                                                                                                            وروى سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن ، رواه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .

                                                                                                                                            وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنه - : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن أمي اقتتلت نفسها ولولا ذلك لتصدقت وأعطيت ، أفيجز لي أن أتصدق عنها ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : نعم فتصدقي عنها .

                                                                                                                                            قولها : اقتتلت نفسها ، أي : ماتت فلتة من غير وصية .

                                                                                                                                            وروى عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي توفيت ، أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : نعم ، قال : فإن لي لمخرفا وأشهدك أني قد تصدقت به عنها .

                                                                                                                                            ولأن الصلاة على الميت واجبة علينا وهي دعاء له ، فاقتضى أن يكون الدعاء لاحقا به ، مسموعا منه في صلاة وغير صلاة .

                                                                                                                                            ولأنه لما لحق الميت قضاء الديون عنه حتى لا يكون مؤاخذا بها ومعاقبا عليها ولعله لم يجز ذلك حين جاز في الصدقة وإن لم يوص به حيا .

                                                                                                                                            فأما قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] فيحتمل أن يكون معناه : وأن ليس على الإنسان . كما قال تعالى : وإن أسأتم فلها [ الإسراء : 7 ] أي فعليها ، على أن ما مات عن غيره فيه ، جاز أن يكون في حكم ما يسعى في قصده .

                                                                                                                                            وأما الإيمان فإنه لا تصح النيابة فيه عن الحي ، فكذلك عن الميت وليس كالصدقة ، على أنه قد يتيسر حكم الإيمان عن الإنسان إلى غيره ، كما يكون الأب متيسرا إلى صغار ولده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية