الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن كانت الوصية بالولاية على أطفال ، اعتبر في الموصى بها ستة شروط ، لا تصح الوصية منه إلا بها :

أحدهما : جريان القلم عليه وصحة التكليف له ؛ لأن من لا يجري عليه قلم بجنون ، أو صغر ، لا تكون له ولاية ولا يصح منه تولية .

والثاني : الحرية ؛ لأن الولاية تنافي الرق .

والثالث : الإسلام في الطفل إذا كان مسلما وفي اعتباره في الطفل إذا كان مشركا وجهان .

والرابع : العدالة ؛ لأن الفاسق ليس له ولاية ، فكان أولى ألا تصح منه تولية .

[ ص: 333 ] والخامس : أن يكون ممن يلي على الطفل في حياته بنفسه ؛ لأنه يقيم الوصية مقام نفسه فلم تصح إلا ممن قد استحق الولاية بنفسه ، وذلك في الوالدين دون غيرهم من الإخوة والأعمام .

وقال أبو حنيفة : تصح الوصية بالولاية على الأطفال من غير الآباء ، كما تصح من الآباء .

وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أن في الوالد بعضية باين بها غيره .

والقول الثاني : أن للوالد في حياته ولاية لا يستحقها غيره ، فمن هذين الوجهين اختصت الوصية بالآباء دون غيرهم .

وإذا كان هكذا فالذي يستحق الولاية في حياته ويوصي بها عند وفاته هو الأب وآباؤه ، فأما الأم ففي ولايتها على صغار ولدها وجهان :

أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري : أنه لها عليهم ولاية كالأب ، لما فيها من البعضية وأنها برأفة الأنوثة أحن عليهم وأشفق .

والوجه الثاني وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا ولاية لها ؛ لأنها لما قصرت بنقص الأنوثة عن ولاية النكاح التي تسري في جميع العصبات ، كان أولى أن تقصر عما يختص من الولاية بالآباء دون سائر العصبات .

فعلى هذا إن قيل إنه لا ولاية لها ، لم تصح منها الوصية بالولاية على أطفالها ، وإذا قيل إن لها الولاية بنفسها ، فكذلك أمهاتها وأمهات الأب ، وهل يستحقها أبو الأم ؟ على وجهين :

أحدهما : يستحقها كأم الأم لما فيه من الولادة وأنه أحق بالولاية على الأم من أمها .

والثاني : لا ولاية له ؛ لأن سقوط ميراثه قد حطه من منزلة أم الأم .

فعلى هذا يكون بعد الآباء للأم ، فإذا اجتمع بعد الأم أم أب وأم أم ، ففي أحقيتهما بالولاية وجهان :

أحدهما : أم الأب ؛ لأن الأب بالولاية أحق .

والقول الثاني : أم الأم ؛ لأنها بالحضانة أحق .

فإذا أوصت مستحقة الولاية من الأمهات ، بالولاية على الأطفال صحت الوصية .

والشرط السادس : ألا يكون للطفل من يستحق الولاية بنفسه ؛ لأن مستحق الولاية بنفسه ، أولى من مستحقها بغيره فعلى هذا لو أوصى الأب بالولاية على أطفال وهناك جد ، كانت الوصية باطلة .

[ ص: 334 ] وقال أبو حنيفة : لا اعتبار بهذا الشرط ويجوز للأب أن يوصي بالولاية على أطفاله إلى أجنبي وهناك جد ، كما يجوز في إنفاذ الوصايا .

وهذا غير صحيح ؛ لأن الوصايا لا يستحقها الجد بنفسه وليس كالولاية على الأطفال ؛ لأن الجد يستحقها بنفسه ، فكان أحق من الوصي .

فلو أوصى الأب بها وهناك أم ، فإن قيل : إنه لا ولاية للأم ، صحت الوصية إلى غيرها .

وإن قيل لها تصح ، ولكن يجوز أن يوصي بتفريق ثلثه إلى من شاء مع وجود الآباء ، فهذا حكم الموصي .

التالي السابق


الخدمات العلمية