الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن تغيرت حاله أخرجت الوصية من يده وضم إليه إذا كان ضعيفا أمينا معه ، فإن أوصى إلى غير ثقة فقد أخطأ على غيره ، فلا يجوز ذلك "

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا تغير حال الوصي بعد استكمال الشروط فيه ، فذلك ضربان :

أحدهما : ما خرج به من الوصية . والثاني : ما عجز به عنها .

فأما الذي يخرج به من الوصية : فالطارئ عليه من جنون ، أو فسق ، أو مرض يؤثر في صحة تدبيره وفضل نظره ، فهذه أمور يخرج بها من الوصية .

وقال أبو حنيفة : طرؤ الفسق لا يخرجه من الوصية ، كما أن فسق من حكم بشهادته لا يوجب نقض الحكم بها ، ولكن يضم إليه بعد فسقه عدل .

وهذا القول لا وجه له ؛ لأنه لما كان الفسق مانعا من ابتداء الوصية كان مانعا من [ ص: 335 ] استدامتها كالكفر ، وإذا كان كذا صار طرؤ الفسق كغيره من الأسباب المانعة ، فيلزم الحاكم معها إخراجها عن يده واختيار من يقوم بها من أمنائه .

فإن تصرف الوصي في المال بعد خروجه منها بأحد هذه الأسباب نظر : فإن كان عقدا أو ما يفتقر إلى اجتهاد ، رد وكان له ضامنا إن مات .

وإن كان معينا من وصية أو دين لا يفتقر إلى اجتهاد ، أمضى ولم يضمنه .

وأما العجز عنها فالضعف الذي يقدر معه على القيام بها ، فهذا مقر على حاله ، لكن على الحاكم أن يضم إليه من أمنائه من يعينه على إنفاذ الوصايا والولاية على الأطفال ، فلو تفرد هذا الوصي قبل أن يضم الحاكم إليه أمينا ، فتصرف في الوصية ، أمضى ولم يضمنه ؛ لأنه ما انفرد به إلا وهو قادر عليه .

وهكذا لو ابتدئ بالوصية إلى غير أمين أخرجها الحاكم من يده .

ولو أوصى إلى ضعيف ، ضم إليه غيره من أبنائه ، فإن قيل : فهل يلزم الحاكم أن يستكشف عن الأوصياء وولاة الأيتام أم لا ؟

قلنا هذا على ضربين :

أحدهما : يكون فيمن يلي بنفسه من أب أو جد ، فليس للحاكم أن يستكشف عن حاله وعليه إقراره على ولايته ونظره حتى يثبت عنده ما يوجب زوال نظره من فسق أو خيانة ، فيعزله حينئذ ويولي غيره ؛ لأن الوالي بنفسه أقوى نظرا من الحاكم .

والضرب الثاني : أن تكون ولايته بغيره ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون أمين حاكم .

والثاني : أن يكون وصي أب .

فإن كان أمين الحاكم لم يجب أن يستكشف عن حاله إلا أن يثبت عنده خيانته أو فسقه ؛ لأن ما ولاه الحاكم قد اعتبر من حاله ما صحت به ولايته ، وإن كان وصي أب ففيه وجهان :

أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا يجوز استكشاف حاله إلا بعد ثبوت فسقه ، كالأب وأمين الحاكم .

والوجه الثاني وهو الأصح عندي : أن على الحاكم استكشاف حاله ؛ لأنه لم ينفذ بولايته حكم ، ولا هو مما تنتفي عنه التهمة كالأب ، وقد يجوز أن يكون بوصف من لا يستحق النظر ، فافتقر إلى الكشف .

التالي السابق


الخدمات العلمية